خسر العرب جميع الحروب التي خاضوها ضد إسرائيل، بصرف النظر عن الأسباب العديدة لهذه الخسارات، لكن النتيجة الواقعية تؤكد تفوق قوة العدو، والدول المشاركة بهذه القوة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا ورهط من الدول الأوروبية؛ دول تدفعها مصالحها أن تعطي التفوق في الصراع لصالح إسرائيل.
المعطيات الواقعية التي أفرزتها الحروب العربية ضد إسرائيل منذ عام 1948 حتى حرب غزة، تتقاطع مع بلاغة الهتاف بالقوة والشجاعة والخطب الرنانة عن النصر والوعد الإلهي، وأطنان من أشرطة الأغاني الحماسية و"لبيك يا علم العروبة.."، والوعود التي يطلقها الزعماء العرب عن الصلاة في القدس، والتشبث بوعود النصر وفق منطق ميتافيزيقي، بينما العقل السياسي الغربي، إسرائيل والرتل الدولي الداعم لها، ينظر إلى الحرب كونها فرصة استثمارية لمكاسب مادية وأخرى سياسية وثالثة لتعزيز وجودها في الصناعات الحربية، ومع كل حرب تجري يحدث استعراض عملي حي لقوة سلاحها وفاعلية صواريخها وقنابلها وقوتها التدميرية، وقدرتها على القتل في الجسد العربي.
على الأنظمة العربية إدراك حقائق التاريخ الممتد لـ 75 سنة ماضية، أن خسارة الحرب تعني خسارة علاقتنا مع الغرب، وخسارتنا بالتقدم التكنولوجي والعلم والحداثة، وخسارتنا في الاقتصاد، وخسارة الأنظمة السياسية لشعوبها، وخسارة الشعوب للإحساس بالمستقبل، وعدم الاعتراف بهذه الحقائق يكرس الخسائر في جميع الحروب، وليس العسكرية وحسب، كذلك الحال في اعتبار فلسطين قضية العرب الأولى، بينما الشعوب العربية بلغت مرحلة الكراهية لفلسطين، لأنها أصبحت تميمة الأنظمة السياسية الفاسدة والمستبدة في بقاء وجودها، وتحت لافتة تحرير فلسطين والمقاومة والممانعة، حدثت جرائم مهولة في تصفية الصوت الآخر المعارض للأنظمة، ولنا في "صيدنايا" شاهد ودليل!
إقرأ أيضاً: الحرب واستمرار الوهم العراقي!؟
تنص الحكمة الإغريقية على جملة "إعرف نفسك"، وقد جرى استثمارها لدى المفكرين والقادة السياسيين الأذكياء لتصبح "إعرف عدوك". الإشكالية التي صرنا إليها دولاً وشعوباً، أننا فقدنا معرفة أنفسنا وكذلك معرفة عدونا، وكان المسار الأمثل للخسائر الهائلة التي لحقت بنا.
كنت أستمع لخطاب زعيم حماس السيد خليل الحية بعد إعلان اتفاق إيقاف الحرب، كان خطاباً طويلاً عريضاً متخماً بالجمل الرنانة والسرد الممل وتطيير التحيات والشعارات.. إلخ، لكنه لم يعرج على السبب الحقيقي لحرب الإخوان المسلمين في غزة، وما هو الثمن الذي حصدته حماس مقابل أكثر من مئتي ألف ضحية بين قتيل وجريح، عدا عن دمار شامل لمدينة غزة ومؤسساتها وخدماتها!؟
إقرأ أيضاً: رئاسة ترامب واختيارات العراق الحرجة!
حرب غزة وما نتج عنها، كشف الحقائق على أوسع مدياتها وأعماقها، كما كشف زيف الدول التي رفعت شعارات القدس لتدفع غزة وما فيها عربون لبقاء دولتها، ولم تتأخر عن تقديم الأضاحي العربية المتشدقة بالعقائد الطائفية، ولعل الكشف الآخر قد تجلى بخداع محور المقاومة التي أثبت أنه محور مقاولة وصفقات دولية تحت الطلب.
حرب غزة ستكون آخر الحروب العربية، بل آخر الخسائر في حال استفاد العرب من قراءة نتائج حرب غزة ودوافعها الخفية، بعد أن أهملوا قراءة 75 سنة من الخسائر!