تحت وطأة المعاناة الإنسانية المتصاعدة في غزة، يلوح في الأفق سؤال مُلحّ: هل نحن على أعتاب نهاية هذا الصراع الدامي؟ فالصور المأساوية للدمار والخسائر في الأرواح، والنداءات المستمرة لوقف إطلاق النار، ترسم لوحة قاتمة تثير تساؤلات حول جدوى استمرار هذه الحرب ومآلاتها. وقد بات نداء إنهاء الحرب في غزة مطلبًا هامًا خلال الفترة الأخيرة، خاصة بعد الزيارة التي قام بها مؤخرًا أحد كبار المسؤولين الإنسانيين إلى القطاع، والتي دعا فيها بشكل عاجل إلى وقف إطلاق النار، مشددًا على الحاجة الماسة لحماية المدنيين وتسهيل إيصال المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها.
هنا غزة، حيث تحولت الشوارع إلى أنقاض، وشهدت المستشفيات تدفق الجرحى والضحايا والأطفال والنساء يعانون الأمرّ. فالحرب لا تميز بين مدني وعسكري، ويواجه السكان نقصًا حادًا في المياه والكهرباء والغذاء، وتزداد المخاوف من انتشار الأمراض والأوبئة. وتتواصل الانتهاكات ضد المدنيين، ويستمر القصف العشوائي للمناطق السكنية، وتتلاشى أحلام الأبرياء، وتتحول حياتهم إلى جحيم لا يطاق.
ووفقًا للإحصائيات الدولية، أجبرت قوات الاحتلال مليوني مواطن، من أصل 2.2 مليون، على النزوح القسري منذ بداية الحرب. وحاليًا، هناك أكثر من 1.5 مليون نازح يقيمون في مراكز الإيواء والمناطق العشوائية التي تقام فيها خيام النزوح في وسط القطاع ومنطقة مواصي خان يونس. وسبق أن ذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أنَّ مؤشر غلاء المعيشة في غزة ارتفع بشكل حاد، وبلغت نسبته 490 بالمئة. وتؤكد منظمة الصحة العالمية أن هناك 12 ألف مريض على الأقل في غزة بحاجة للإجلاء الطبي، وقد توقفت عمليات الإجلاء الطبي، وباتت مقصورة على أعداد قليلة جدًا، منذ أن أغلقت قوات الاحتلال معبر رفح البري الفاصل عن مصر.
وقد دعت منظمة "اليونيسيف" إلى وقف إطلاق النار الفوري في غزة وتحسين البيئة الأمنية، وناشدت جميع أطراف الصراع الوفاء بالتزاماتها بموجب القانون الدولي الإنساني، بما في ذلك وقف الهجمات على المدنيين والعاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية المدنية، وتلبية الاحتياجات الأساسية للسكان، وتسهيل الوصول الإنساني السريع والآمن بدون عوائق.
إقرأ أيضاً: جنين مفتاح حل الأزمة الفلسطينية
وأصبح قرار وقف إطلاق النار في أسرع وقت أمرًا ضروريًا، خاصة مع وجود بوادر صفقة هدنة بين إسرائيل وحركة حماس، إذ يتبقى وصول المراحل النهائية من المحادثات حيز التنفيذ خلال أيام. وقد نعتبرها مجازًا الربع ساعة الأخيرة من الحرب التي اقتربت على الانتهاء بشكل كبير.
ومن شأن هذا الاتفاق في مرحلته الأولى توفير مهلة من الحرب لسكان غزة منذ أكثر من عام، وتوصيل المساعدات إليهم، والسماح لعمال الإغاثة بالوصول بأمان إلى المجتمعات التي يعتزمون خدمتها، والذي بموجبه يتم تسهيل وصول جميع مستلزمات المعيشة والحياة من مأكل وملابس ومياه نظيفة للمدنيين، والإفراج عن “عدة مئات” من السجناء الفلسطينيين مقابل إطلاق سراح 33 رهينة محتجزين لدى حماس وحلفائها. كما قد يمتد الأمر إلى عودة الهدوء في القطاع المشتعل منذ عام وشهرين، وعودة الغزيين إلى بيوتهم، وتعود الحياة إلى القطاع من جديد، ومن الممكن أن يتطور الوضع إلى التفكير الجدي في إعادة بناء غزة.
كما أنَّ الجيش الإسرائيلي سيبدأ الانسحاب من المراكز السكانية خلال المرحلة الأولى من الاتفاق، لكنه سيبقى على طول الحدود بين غزة ومصر، في ممر فيلادلفيا.
إقرأ أيضاً: زوجات الأسرى الفلسطينيين بين الأمل واليأس
وبفارغ الصبر ينتظر الغزيون، وبالأخص النازحين منهم، انتهاء الحرب، والإعلان عن دخول التهدئة المرتقبة حيز التنفيذ، على أمل انتهاء معاناة الحرب المستمرة منذ 16 شهرًا، ذاقوا خلالها ويلات الحرب والدمار، وعايشوا أوقاتًا عصيبة لم تكن تراودهم في أسوأ أحلامهم. فهم يعيشون حالة من الترقب الحذر، متسائلين: متى يأتي اليوم الذي يعودون فيه إلى منازلهم المدمرة، ويستعيدون حياتهم الطبيعية؟ فهل تكون هذه التهدئة بداية لنهاية المعاناة، أم مجرد وقفة مؤقتة في طريق طويل وشائك؟!