الراحل هينري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة في السابق وخلال تعامله مع الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة في الصراع الإسرائيلي العربي، قال، إنه في إسرائيل لا توجد سياسة خارجية وفقط سياسة داخلية، نعم فقد صدق هذا الدبلوماسي المخضرم الذي رافق السياسة الاميركية والدولية على مدار عقود.
ثبت الان وبدون ادنى شك ان ما يشغل نتانياهو هو ضمان سلامة حكومته وبقاءه على كرسي رئاسة الوزراء.
بالرغم من هجوم السابع من اكتوبر على جنوب اسرائيل وقتل وجرح الآلاف واحتلال بلدات على يد حماس لساعات وأسر جنود واحتجاز مدنيين بالجملة، وبالرغم من فشل الحكومة والجيش الذريع في مواجهة هذا الهجوم وبعدها الدخول في حرب دامية كلفت إسرائيل مزيدا من القتلى والجرحى وتدمير المباني والمنشآت اضافة للخسائر المادية بالمليارات ومع دخول الحرب سنتها الثانية، إلا أن نتانياهو يناور ويحاور فقط للبقاء في منصبه ضاربا عرض الحائط بكل التوسلات من عائلات الاسرى والمحتجزين لابرام صفقة تعيد أحبائهم احياء.
أضف إلى ذلك الحرب في الشمال مع حزب الله واطلاق الصواريخ على حيفا وما بعد حيفا والتهديدات من اليمن والعراق فان نتانياهو يوافق في الصباح على المقترح الاميركي لتهدئة ٢١ يوما للتفاوض على صيغة للحل في لبنان إلى جانب تهدئة في غزة، ثم يعود ليرفضها قبل انقضاء الظهر وهو في طريقه لنيويورك لإلقاء خطاب آخر رنان من على منصة الامم المتحدة ليعلن قرب انتصاره الوشيك على الارهاب الذي يهدد العالم وليحذر العالم مرة اخرة ومتكررة من خطر ايران على الامن العالمي وليعلن انه في حربه على غزة ولبنان انما جاء ليحمي وينقذ العالم.
إذا تمعنا في الصورة الواسعة للوضع الإسرائيلي نرى ان كل هذا الهراء الذي يصرح به وسيطرحه نتانياهو هدفه شيء واحد وهو البقاء رئيسا للحكومة منتشيا بالنجاحات التي حققها الجيش واجهزة الامن في اختراق حزب الله، ذراع ايران الاقوى، من عمليات البيجر للاسلكي وصولا لاغتيال قيادة حزب الله بالجملة إلى تدمير مخازن اسلحة استراتيجية لحزب الله وايران.
بنيامين نتانياهو مراوغ وسياسي بارع في صراع بقاءه في السلطة باسرائيل اما باقي الامور والفذلكات الخطابية فتبقى من اجل اقناع الداخل لاسرائيلي وقاعدته الحزبية والشعبية انه هو الوحيد القادر على ضمان امن اليهود وان باقي خصومه في السياسة فهم يدعمون خطط حماس وحزب الله في مناشدتهم انهاء الحرب وإبرام صفقة تبادل.
نتانياهو يستمر في الحرب على لبنان إلى ما بعد الانتخابات الاميركية وهو يأمل دخول دونالد ترامب للبيت الأبيض كي يستطيع ضرب ايران برفقته كما يعتقد ويخطط، أما إذا فازت كاملا هاريس فسيعود للمراوغة من اجل البقاء في السلطة علما ان الانتخابات الاسرائيلية رسميا ستجرى بعد منتصف العام 2026.