: آخر تحديث

هل ينجح حزب الله في التمسك بالإسناد وربط الساحات؟

19
18
17

رغم الغارات الإسرائيلية التي أشعلت لبنان من جنوبه إلى بقاعه، مرورًا بالضاحية الجنوبية لبيروت وجرود منطقة جبيل، وتخطي عدد الضحايا عتبة الخمسمئة في اليوم الأول من الحرب على لبنان، لم تخرج بيانات حزب الله عن أدبياتها القائمة على وحدة الساحات وربط لبنان بغزة. ويصر حسن نصر الله على تجيير كل عملياته على طريق القدس، وإن كان أضاف إليها الدفاع عن الشعب اللبناني، باعتبار أنَّ جميع قيادييه وعناصره الذين سقطوا على يد إسرائيل قد سقطوا على طريق القدس، ولا يريد الاعتراف بأنه السبب في تدمير لبنان.

والسؤال ما مصير محور المقاومة الذي تصر إيران على أن تكون راعيته، وهي من ابتدعت فكرة وحدة الساحات، ليبقى شعار تحرير فلسطين العمق الأساسي للثورة الإسلامية، فيما فك الارتباط بين الجبهتين يعني إغلاق جميع الجبهات، خصوصًا جبهة لبنان الأكثر فاعلية، بينما باقي الجبهات الأخرى ثانوية بما فيها جبهة الحوثيين، وتواجد إيران على البحر الأحمر واستخدامه في الضغط على الولايات المتحدة كورقة ضغط وورقة تفاوض. هذا ما جعل إيران بعد التهدئة بينها وبين السعودية ترفض أن تقيم السعودية علاقة مع إسرائيل مقابل إقامة دولة فلسطينية، مما يعني أن السعودية تحقق وقف الصراع في المنطقة وقيادة مرحلة تنموية إقليمية ودولية وتحصل على مميزات تقنية ونووية سلمية ودفاع أميركي، فيما إيران تخسر كل شيء ولن تحصل على شيء، فقررت تبني طوفان الأقصى في تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

لكن ما هو دور حزب الله في تلك المواجهة؟ فقد كان مقررًا أن يقوم حزب الله، وفق مفهوم وحدة الساحات، بكماشة مع حماس من غزة وحزب الله في الجليل الأعلى، لكن تخلى حزب الله عن اتفاقه مع حماس، فاعتبرت إسرائيل أن طوفان الأقصى ضربة مؤلمة هزت كيانها، مما فرض على الغرب دعم إسرائيل المفتوح بدون قيد أو شرط، حتى لا يتركها بمفردها في المواجهة متعددة الساحات. إسرائيل بمثابة جزء من أميركا في المنطقة، وقامت إسرائيل بحركة استباقية باغتيالات في إيران شملت إسماعيل هنية، وقتلت قادة إيرانيين في السفارة السورية في دمشق لجر إيران إلى حرب إقليمية، وهي فرصتها من أجل اشتراك أميركا معها في ضرب المفاعل النووي الإيراني، لكن إيران لم تنجر إلى هذه الحرب، خصوصًا أنَّ الولايات المتحدة أرسلت عددًا من حاملات الطائرات والبارجات إلى المنطقة. ورغم ما أصاب حزب الله، لا يزال ملتزمًا بقواعد الاشتباك حتى لا تضطر إسرائيل إلى الدخول بقوات برية إلى لبنان، رغم أنه لا يزال متمسكًا بأن القصف الذي يقوم به مستمر حتى يتم إعلان إيقاف الحرب في غزة، فهو لم يستخدم الصواريخ الباليستية التي يمكن أن تصل إلى إيلات وصحراء النقب، وطور الحزب قدراته من الكاتيوشا قصيرة المدى إلى صواريخ فادي 1 و2 و3 المتوسطة التي يبلغ مداها عمق إسرائيل، لكنه حتى الآن استهدف فقط حيفا ولم يستهدف تل أبيب ولا مطار بن غوريون. وإذا توسعت الحرب، فقد يستخدم حزب الله الصواريخ الباليستية لضرب تل أبيب، خصوصًا بعد وصول الغارات الإسرائيلية إلى صور في جنوب لبنان.

لكن ماذا تريد إسرائيل من حزب الله؟ إنَّها تود أمرين: أولًا فصل الجبهة اللبنانية عن جبهة غزة، وثانيًا تطبيق القرار الأممي 1701 الصادر عام 2006 بعدم وجود قوات غير شرعية جنوب خط الليطاني. لكن لم ينفذ حزب الله القرار من أجل الإبقاء على محور المقاومة والنفوذ الإيراني. وكانت هناك مصالح تلتقي بين إيران والولايات المتحدة، وفي نفس الوقت يبقى لبنان تحت الهيمنة الإيرانية، لأن تطبيق حزب الله القرار الأممي 1701 يعني تسليم سلاحه للجيش اللبناني باعتبار انتهاء محور المقاومة.

إقرأ أيضاً: هل الحرب الإقليمية قادمة لا محالة؟

لكن ماذا تستفيد إيران اليوم من عدم انتصار حزب الله، رغم طلب نصر الله من إيران تطبيق وحدة الساحات، لكن الرئيس الإيراني الإصلاحي مسعود بزشكيان، الذي يتواجد في نيويورك مشاركًا في قمة المستقبل في الأمم المتحدة، أصدر عددًا من التصريحات، أولها أن الولايات المتحدة دولة صديقة بعد أربعين عامًا من اعتبار أميركا الشيطان الأكبر. واعتبر الحرب بين إسرائيل وحزب الله غير متكافئة، وطالب الدول العربية والإسلامية بالاجتماع من أجل القيام بواجبها في اتخاذ قرارات بشأن إيقاف هذه الحرب غير المتكافئة في لبنان، باعتبارها أزمة إنسانية، وكأنه يقصد إنقاذ محور المقاومة الذي تعارضه الدول العربية والإسلامية. وطالبت السعودية حزب الله بتسليم سلاحه للجيش الذي تسبب في مصادرة سيادة لبنان لصالح إيران، وعطل منصب الرئاسة. بل كان يفرض حزب الله على الشعب اللبناني أن يقروا بمعادلة شعب وجيش ومقاومة، أي التشريع للمقاومة التي هي مشروع إيراني. وتود إيران فتح ملف المفاوضات النووية، وإن كان الهدف من ذلك سياسيًا أن إيران غير راغبة في التصعيد، لأنها تدرك عمليًا أنه لا يمكن لأي مفاوضات أن تجري إلا بعد الانتخابات الأميركية، أي أن إيران تفاوض بدماء الشعوب العربية، وتقاتل بهم، ولن تقاتل عنهم أو تحميهم، بل تقدم لهم الأسلحة والتدريب وبعض الأموال للتفاوض بهم مع الغرب لترسيخ نفوذها وتحقيق اتفاق نووي.

إقرأ أيضاً: أميركا في البحر الأحمر للتفرد وإبعاد الخصوم؟

لكن ما هو دور أميركا؟ ترى أميركا أنَّ حماس هي من اعتدى على إسرائيل، وكذلك حزب الله الذي بدأ منذ 8 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بإرسال صواريخه التي هجّرت سكان شمال إسرائيل. أميركا عمياء ومكبلة الأيدي في حرب إسرائيل على لبنان، بل إن المندوب الأميركي في مجلس الأمن صرّح أن على حزب الله أن يتوقف عن الضربات على إسرائيل. وهي سياسة حلزونية، والآن أميركا تقود مفاوضات بين حزب الله وإسرائيل بالتعاون مع دول عربية. وقد يقبل حتى يحيى السنوار وقف الحرب بين إسرائيل وحزب الله. كذلك طالب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الرئيس الإيراني التدخل لوقف الصراع في نيويورك.

دور السعودية دائمًا ما يدعم المقاومة، لكن يدعم المقاومة التي تكون في حساباتها الحفاظ على شعبها، بينما ارتمت حماس في أحضان إيران التي شجعتها على القيام بطوفان الأقصى في تشرين الأول (أكتوبر) 2023 لوقف العلاقة بين السعودية وإسرائيل التي واصلت دورها وحققت جهودًا دولية في موافقة أكثر من 124 دولة على إقامة دولة فلسطينية مستقلة، بجانب حصول السلطة الفلسطينية الشرعية على مقعد دائم في الجمعية العامة للأمم المتحدة. وعندما طالبت إسرائيل السعودية بإقامة علاقة دون إقامة دولة فلسطينية، كان الرد حاسمًا من السعودية بأن لا قبول لإقامة علاقة ما لم تقم إسرائيل دولة فلسطينية مستقلة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف