اغتيال حسن نصر الله في مقر قيادة حزب الله تحت الأرض في ضاحية بيروت الجنوبية هو عملياً صورة الانتصار الإسرائيلي في الحرب ضد حزب الله في لبنان.
تصفية حسن نصر الله ضربة قاضية لحزب الله اللبناني ولمحور المقاومة وانتكاسة معنوية لجمهور الحزب ومن يبايع نصر الله، تشبه كما قال أحد محدثيني من لبنان انتزاع الروح من الجسد؛ حزب الله في طريقة بنائه وتراتبيته والانتساب الديني والحزبي والعسكري بمثابة جسد واحد ينبض بقلب ولديه روح معنوية تشحن الطاقات اسمها حسن نصر الله، انتزاع الروح يعني موت الجسد وحزب الله في انهيار إلى أن يستلمه قيادي قد يعيد إليه بعض الروح لإعادة بنائه من جديد بتقية متبعة في مثل هذه الحالات.
نستذكر هنا أنه سبق اغتيال حسن نصر الله تصفية كل قيادات الحزب العسكريين وبعض من الروحيين ورجال الدين الكبار، وهذا إن دل فيدل على اختراق إسرائيلي استخباراتي كبير، كان يقول الحزب إنه محصور، وإنه قادر على تفكيك شبكات العملاء والمخبرين، إلا أنَّ استمرار الاختراق من البيجر واللاسلكي واغتيال قيادات الرضوان وغيرهم وصولاً إلى حسن نصر الله وضيوفه من فيلق القدس الإيراني يشير إلى خلل في تنظيم الحزب الأمني.
حزب الله وأمينه العام أصابهم الغرور في السنوات الأخيرة، خاصة بعد دخولهم الحرب في سوريا والانتصارات هناك، واكتساب التجربة العسكرية وكسب الأموال، حيث تحول الحزب إلى ماكينة لتبييض الأموال وتصنيع المخدرات ضخت الملايين على عناصره وقياداته.
يبدو أنَّ أمين حزب الله العام وكل قيادة هذا التنظيم أصبحوا يعيشون خلال السنوات العشر الأخيرة في فقاعة من تمجيد الذات والغرور، حتى أنهم صدقوا كما يبدو أنَّ باستطاعتهم هزيمة إسرائيل والصلاة في القدس، بغض النظر عن قوتهم، ودعم حرس الثورة الكلامي، وتزويدهم بالسلاح إلى حد التخمة التسليحية.
نصر الله بنفسه، إلى ما قبل اغتياله، لم يكن ليستوعب الاختراق الإسرائيلي، ولم يحسب له حساب، حتى في أحلك كوابيسه الليلية؛ أن تعتقد أنك قادر على كل شيء، وأن تتحكم في مفاصل بلد وتأمر وتنهي وتختار الحكومة والرئيس وتنصب الرئيس السوري وتحاول في العراق واليمن وسوريا وفلسطين لا تجعلك إلهاً ولا نبياً، هي ظروف المرحلة وربما تمثل دوراً مرسوماً، إذا أخذنا في الحسبان أن الإعلام الإسرائيلي ساهم إلى حد كبير في توسيع هالة حزب الله وأمينه العام حسن نصر الله.
الآن، وبعد اغتيال نصر الله، وضرب الحزب ومحور المقاومة، يبدو أنَّ الأوضاع تتجه إلى مفترق طرق قاس، ولا يمكن التكهن إلى أي جهة سنسير. هناك إمكانية واردة أن ترد إيران على الاغتيال وتصعد الأمور لحرب إقليمية تدخلها الولايات المتحدة مرغمة، إلا أنَّ حظوظ ذلك ضئيلة لحاجة إيران الحالية والملحة للتوصل إلى توافق مع العالم حول التهدئة وتغيير سياسة الأذرع الحربية في المنطقة حفاظاً على سلامة النظام.
الإمكانية الثانية هي رد محدود ودخول في مفاوضات سريعة لتثبيت تهدئة في لبنان وغزة، والظهور بمظهر القادر على إحلال السلام والهدوء، حتى لو بثمن التخلي عن أذرع هنا وهناك، فمصلحة إيران القومية أكبر من كل أذرعها الخارجية.
لا شك أنَّ اغتيال حسن نصر الله يشكل علامة فارقة تغير قواعد اللعبة في المنطقة، وليس قواعد الاشتباك مع إسرائيل فحسب، وبازار الأسماء والمرشحين لخلافته لا يخلو من مفاجآت وتغييرات جذرية في انتماء الحزب وولاءاته، ويبدو أن لبنان يتجه نحو استيعاب الاغتيال نحو تسوية داخلية تؤثر حتماً على العلاقات الخارجية مع دول الجوار والمحيط العربي والخليجي خاصة.
نهاية عهد وبداية عهد جديد، ومن حضر البازار باع واشترى، والدنيا دولاب، والأهم أن تبقى ممسكاً به كي لا يلقيك إلى المجهول.