يشير الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي فريدريك لونوار، المتخصص في الفلسفة الداعية إلى «السعادة والفرح» والسبل المؤدية إليها، في كتابه «قوة الفرح» المترجم إلى العربية، إلى آراء وتأملات وأقوال الفلاسفة اليونانيين القدماء والفلاسفة المعاصرين عن سعادة الإنسان والمجتمع، وكيفية استخدام الفرد للطرق والأدوات التي تبعد عنه الحزن والاكتئاب وتجلب له الفرح.
إن السعادة ترتبط بدرجة الوعي الذي يملكه الإنسان، فإذا كان هذا الوعي محدوداً يميل المرء إلى إيجاد سعادته في الأشياء الأكثر بساطة والأكثر يومية والأكثر مادية والأكثر مباشرة. بالمقابل تتطلب درجة أعلى من الوعي، للاهتمام بما يتجاوز ما هو مباشر وما هو مادي عابر، مثل الاهتمام بمسائل تتعلّق بالعدالة.
إن الفرح هو «مصدر للرضا الكبير في الحياة وشعور أو إحساس وصفه الطبيبان النفسيان: فرنسوا لولوروكريستوف أندريه، تجربة عقلية ونفسية عميقة تأتي كرد فعل لحدث ما في وقت محدد وتكمن خصوصية هذه التجربة في كونها تتميز دوماً بالعمق وأنها تمس كيان الإنسان كله.
ولا شك أن السوريين لم يتذوقوا الفرح ولم يعرفوا له ذوقاً أو طعماً أو رائحة خاصة منذ عام 2011، عندما خرجوا إلى الميادين شباب وفتيات ورجال وفنانين وأطفال، مطالبين بالحرية والعيش والكرامة الإنسانية في شكل بانورامي متحضر لا يملكون إلا حناجرهم.
حيث كانت احتجاجاتهم على شكل الرقصات الشامية الشهيرة، وهم يرددون متشابكي الأيدي «بدنا حرية» أسوة بغيرهم من شعوب عدد من البلدان العربية لا يحملون سلاحاً ولا يرمون مولوتوفاً لإثارة الفوضى الخلاقة، ولقد كانت هذه هي البدايات.
إن الشعب السوري وأكاد أن أجزم كان هو الأكثر احتياجاً للحرية من المطالبين بها في بلدان الثورات الأخرى؛ نعم يطالبون بالحرية والفكاك من «عائلة نرجسية طاغية» جثمت على صدورهم «أكثر من نصف قرن من الزمن» حكمتهم خمسة عقود بالحديد والنار وزجت بشبابهم وبمفكريهم وصحفييهم ومثقفيهم ورموزهم الوطنية الحرة وخيرة المبدعين منهم في الزنازين والتعذيب.
حيث تحوّل نظام الحكم في سوريا من نظام جمهوري بالانتخاب إلى نظام الحكم بالوراثة، مما يعد مخالفة صريحة ومرفوضة تخالف قوانين وأنظمة الأعراف والبروتوكولات الدولية المتعارف والمتفق عليها دولياً في أنظمة الحكم.
إن «طبيب العيون» الذي سلّمه والده مصير شعب متعدد الطوائف والأعراق ووطن له تاريخ وحضارة، ورموز وأحزاب فكرية وفنية وثقافية ودينية، يرى العكس تماماً، لقد كانت ساعة الكارثة الكبرى لوطن بأكمله؛ عندما قرر النظام في سوريا رفض مطالب الاحتجاجات المشروعة وقمعها، عندما قال مقولته الشهيرة «سوريا ليست مصر»، وقرر الحرب على شعبه وقال عنهم متآمرين على سوريا، وأمر بإنزال قواته ودباباته وجلاديه ومرتزقته التي لا تعرف معنى الإنسانية والرحمة إلى الشوارع لمواجهة الشباب المحتج بصدور عارية.
وغني عن القول، إن بشار الأسد حصل على فرص أكثر من أي رئيس آخر قامت في بلاده ثورة أو انتفاضة شعبية، حيث تلقى تعهدات ووعوداً له بالبقاء في السلطة مقابل فتح المجال أمام الحريات بضمانات ولكنه رفض وكابر، مما أدى إلى دفع الشعب السوري أثماناً باهظة، وبات السوريون أكثر من ثمانية ملايين لاجئ ومشرد.
لقد مكّن واستثمر الأسد في إيران وروسيا ظناً منه أنهما ستؤازرانه وتحميانه في وقت الشدة والأزمات الطارئة، متناسياً أن هناك معارضة قوية تجهز العدة منذ 13 عاماً، منفتحة على دول تساندها وتشد من أزرها لوقت المعركة الفاصلة، والتي لم يكن يتوقعها الأسد، عندما دخل المعارضون المسلحون المدن السورية الواحدة تلو الأخرى بداية من «حلب» مكبرين ورافعين رايات الثورة السورية، من دون أي مقاومة تذكر.وسط فرحة عارمة للسوريين.
إن الأيام والشهور المقبلة، وهي الثلاثة شهور لعمر الحكومة الانتقالية ستوضح مما لا شك فيه الرؤية الفعلية لأسلوب ومنهج حكم الإدارة الجديدة في سوريا، متمنين للشعب السوري الشقيق بكافة أطيافه أن تدوم فرحته ويبني دولته، سوريا الجديدة الحرة، في جو تسوده قيم الود والتسامح والتعايش السلمي.