الحرب هي النزوع إلى العنف السيكولوجي عبر التاريخ، الذي قدمت وقائعه بعض الحقيقة، ففلسفة التاريخ هي معرفة العوامل الإنسانية، من فصول الإنسان، وردود أفعاله التي تتحكم في سير الوقائع الزمنية.
الحرب، عبر التاريخ القديم والحديث، هي نوع من الصراع الذي تؤجّجه النزعات الشريرة للأفراد والجماعات والأمم، لكن الصراع وحده لا يكفي لتأجيج الحروب ما لم تغذّه الإرادة السياسية. فتأتي الحروب تلوَ الحروب، وها هو العالم يعايش ويشاهد تلك الحرب المدمرة والهمجية، عبثية لا حدود لها، والرئيس الأمريكي القادم ربما يخطط لضربة استباقية محتملة لمنشآت إيران النووية. ويوم الاثنين الماضي قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، إن حرب إسرائيل الأساسية هي ضد إيران بما تمثله من تهديد عن طريق أذرعها في المنطقة وصواريخها وبرنامجها النووي. إنها الحرب بعد الحرب على لبنان وبعد حرب غزة، وها هي الحرب تصل إلى سوريا وسقط النظام. وفي نفس الوقت قامت إسرائيل باحتلال الجانب السوري من جبل الشيخ في مرتفعات الجولان.
إن خطورة ما أقدمت عليه إسرائيل، ليست في تماديها في احتلال مواقع جديدة في سوريا فحسب، بل في ضربها عُرض الحائط باتفاق فصل القوات لعام 1974 مع سوريا. وقد استغلت إسرائيل الفرصة فتوالت الغارات الجوية الإسرائيلية، حيث هاجم سلاح الجو الإسرائيلي أكثر من 450 هدفاً عسكرياً في سوريا منذ تغيير السلطة في ذلك البلد. وشملت الأهداف عشرات الطائرات المقاتلة، وعشرات من أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، ومرافق إنتاج وتخزين الأسلحة، ومخازن صواريخ أرض-أرض. كما يبدو أيضاً أن هناك خطة دولية لتقسيم سوريا إلى دويلات صغيرة وفقاً للمبادئ الفيدرالية.
وقد أبرمت إسرائيل هدنة مع لبنان، ولا يزال هذا الاتفاق يحافظ على وجوده، لكنّ هناك خوفاً في عموم لبنان من استمرار الخروقات الإسرائيلية، وامتداد الأحداث في سوريا إلى الداخل اللبناني، وبما يهدّد وجود واستقرار دولة لبنان. وكانت إيران وإسرائيل قد تبادلتا الضربات، فبعد ضربة إيرانية على إسرائيل في مطلع شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قامت هذه الأخيرة بتوجيه ضربة بوساطة الطيران الحربي، ركزت على المواقع العسكرية. ومنذ الحرب الإيرانية العراقية، لم تتعرّض إيران لمثل هذه الهجمات على أراضيها. وقد وعدت القيادة الإيرانية بردّ كاسر للأسنان، لكن إيران، هي اليوم، في مأزق حقيقي، فمن الواضح أنها تخشى الدخول في حرب قد تنجر إليها الولايات المتحدة، وخاصة في ظل الوجود العسكري الأمريكي الواسع في الشرق الأوسط، لكن من ناحية أخرى، فإنها ترى أن الرد على إسرائيل من شأنه أن يوازن معادلة الردع ضدها. لكن هذا الرد قد تأخر.
وقد أفادت تقارير بأن إيران قرّرت تأجيل الضربة عقب فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية. وربما هي تريد أن ترى إن كانت الإدارة الأمريكية القادمة عازمة على التفاوض معها وفق مبدأ الندية والاحترام المتبادل لبحث كافة الخلافات وإرساء علاقات سلمية متبادلة دائمة بين الدولتين.
والآن بعد سقوط سوريا وتقدّم الجيش الإسرائيلي في أراضيها، فإن إيران باتت ترى نفسها كهدف تالٍ. ومن المرجح أن يتطلب أي اتفاق جديد بينها وبين الولايات المتحدة موافقة إسرائيلية وانسحاباً إقليمياً ذا مغزى من جانب إيران.
وكان ترامب قد أخرج بلاده من الاتفاق النووي، وأعاد فرض العقوبات على إيران. ما دفع هذه الأخيرة إلى تبنّي سياسة «لا حرب ولا مفاوضات مع إدارة ترامب». وصادق البرلمان الإيراني على مشروع قانون بعنوان «خطة العمل الاستراتيجية لرفع العقوبات وحماية مصالح الأمة الإيرانية»، بهدف عرقلة جهود أي رئيس يسعى لإحياء «خطة العمل الشاملة المشتركة أو التفاوض على نسخة منقحة من الاتفاق».
وقد تعهّد الرئيس المنتخب ترامب بإحلال السلام وإخراج الولايات المتحدة من التشابكات العسكرية، لكن رغم ذلك فإنه قد يغيّر رأيه بعد أن يتولى الرئاسة بشكل فعلي، وفي ظل تمسك إيران بموقفها بعدم تقديم تنازلات من دون رفع العقوبات، والتعامل معها كدولة لها سيادتها واستقلالها، فإن ترامب قد لا يقدّم لها ذلك، ما يعني أن الدولتين لن تتوصلا إلى أي اتفاق في المرحلة المقبلة، وبالتالي فإن الضربة الإسرائيلية المؤجلة ضد إيران، تبدو قادمة، لكنّ حرباً شاملة بين إيران وإسرائيل قد تجر القوات الأمريكية إلى مواجهة مباشرة، وهذا قد يفتح المنطقة أمام صراع كبير، وسوف يُلحق أضراراً بالغة بالاقتصاد العالمي، الذي يعتمد، بشكل رئيسي، على ما تورده هذه المنطقة من نفط وغاز، وربما يكون الاقتصاد الأمريكي أول الخاسرين.
ومن هنا، يتعين على الدول ذات الثقل في المنطقة والعالم أن تتعاون بشكل عاجل لمنع هذه النتيجة، وتسليط الضوء على الوهم الخطِر بإعادة تشكيل المنطقة عسكرياً، والضغط على فريق ترامب للمساعدة في وضع حد لعوامل التصعيد قبل فوات الأوان.