: آخر تحديث
تونس تفقد ثالث أفضل وزرائها منذ الاستقلال

البشير بن سلامة في ذمة الله

38
41
29
مواضيع ذات صلة

برحيل البشير بن سلامة في السادس والعشرين من فبراير 2023 عن سن تناهز 92 عاما، تكون الثقافة التونسية قد فقدت ثالث أفضل وزرائها منذ الاستقلال وحتى هذه الساعة: الأول كان الشاذلي القليبي (2026-2020) الذي وضع الأسس لمؤسسات ثقافية لعبت دورا أساسيا في النهوض بالثقافة الوطنية بعد حصول البلاد على استقلالها سنة 1956. فإليه يعود الفضل في بعث مهرجان قرطاج السينمائي ليكون نافذة على السينما العربية والافريقية، ومهرجان قرطاج الصيفي الذي أتاح للتونسيين التعرف على أشهر الأعمال في مجال المسرح والموسيقى  ذات المستوى العالمي. كما يعود له الفضل في بعث دور للثقافة في جميع مناطق البلاد  بها مكتبات وقاعات للعروض الفنية وللمحاضرات. 

الثاني هو الأديب الكبير محمود المسعدي الذي أسس  مجلة "الحياة الثقافية" لتكون مرآة تعكس الثقافة الوطنية في جميع تجلياتها الأدبية والفكرية  والفنية. أما الثالث فهو البشير بن سلامة الذي تولى منصب وزارة الثقافة في النصف الأول من عقد الثمانينيات ضمن حكومة الراحل محمد مزالي. 

على الرغم من أن الرئيس الحبيب بورقيبة لم يكن ودودا معه لأن مظهره يذكره بخصمه اللدود صالح بن يوسف الذي اغتيل في صيف عام 1961، فإن البشير بن سلامة بذل كل ما في وسعه من جهود لدعم وتطوير المؤسسات الثقافية التي أقامها السابقيْن له. 

لم يكتف بذلك بل أصدر قرارات مهمة تهدف إلى تحسين أوضاع المثقفين العصاميين الذين كانوا يواجهون مصاعب كثيرة على المستوى المادي تحديدا. ومن تلك القرارات استفاد كتاب وفنانون أمثال عز الدين المدني والراحل سمير العيادي.

ولد البشير بن سلامة  في عام 1931 في مدينة قصور الساف على الساحل التونسي الذي أنجب العديد من رموز النخبة التونسية في المجال السياسي والثقافي والفكري والعلمي. وفي أثناء دراسته الثانوية والجامعية انتسب إلى الحزب الحر الدستوري بزعامة الراحل الحبيب بورقيبة ليساهم في النضال الوطني من أجل الاستقلال. 

ضمن نشاطاته في "اللجنة العليا للشباب الدستوري"، قام برحلات إلى المغرب وفرنسا وبلدان افريقية. وفي تلك الفترة، ارتبط بعلاقات وثيقة مع محمد مزالي الذي سيكون في ما بعد أحد أكبر  وزراء دولة الاستقلال. معه سيؤسس مجلة "الفكر" لتكون أهم مجلة ثقافية وفكرية في على مدى ثلاثة عقود فاتحة صفحاتها للمبدعين والمفكرين من مختلف الاتجاهات.

على الرغم من أنها كانت مجلة رسمية عاكسة لتوجهات النظام البورقيبي، فإن مجلة "الفكر" بفضل البشير بن سلامة، تحولت في الستينيات من القرن الماضي إلى منبر لحركة الطليعة، ناشرة نصوص الكتاب والشعراء الذين لم يكونوا على وفاق مع توجهات  نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة. 

بعد سقوط حكومة محمد مزالي، غادر بن سلامة وزارة الثقافة ليعيش مرحلة  طويلة من الاعتكاف انصرف خلالها إلى التأليف ليصدر العديد من المؤلفات القيمة في مختلف المجالات المعرفية إذ كان مترجما رفيعا، وروائيا ثاقب النظرة متأثرا بالخصوص بنجيب محفوظ، وباحثا عارفا بخفايا التاريخ واللغة. كما أصدر الراحل مجلدين يحتويان على يومياته التي شرع في كتابتها في عام 1947. 

إنها حافلة بمعلومات مهمة للغاية حول التاريخ التونسي المعاصر سواء على المستوى السياسي أو الثقافي... كما تتضمن هذه اليوميات التي وصفها صاحبها ب"غوص في الذات عبر لحظة من لحظات الزمن العابر"، مواقف وأفكارا  حول قضايا ثقافية وفنية وسياسية واجتماعية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في ثقافات