لم يدخل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان البيت الأبيض كمسؤول سعودي فحسب، بل كزعيم إقليمي عربي إسلامي يحمل قضايا المنطقة وهموم شعوبها. قلما لامس قائد سقف هذا المجد وتأبط كل تلك المهام.
توج الأمير محمد بن سلمان "زيارة المنعطف" إلى الولايات المتحدة بسلسلة اتفاقات تحاكي الغد، لم يكن التركيز على الحروب وتدشين خنادق المحاور، بل المهم هو نقل المملكة وبالتبعية دول المنطقة وشعوبها إلى المستقبل.
آمن محمد بن سلمان بإمكانات المملكة فكان أن انطلق من مكانتها الطبيعية في إدارة تنافس القوى العظمى بمهارة. لم يَمُنّ عليه سيد البيت الأبيض بهذا الاستقبال التاريخي أو بتصنيف السعودية حليفاً رئيسياً خارج حلف الناتو، وهو مدرك، أي الرئيس ترامب، بأن عروض الصين وروسيا لـ"سيد الجزيرة والإقليم" مغرية جداً.
بالنسبة إلى القضية الأم للشرق الأوسط، القضية الفلسطينية، أعاد الأمير محمد بن سلمان بدبلوماسيته الناعمة الحازمة الرئيس ترامب إلى جادة المنطق السياسي وتخلى الأخير عن تهجير أهالي غزة وبدعة الريفييرا، وأعاد مسار الدولة الفلسطينية إلى اتفاق السلام الذي أوقف إطلاق النار في غزة وتبناه أخيراً مجلس الأمن الدولي.
ترفض المملكة الحلول الترقيعية لقضية بحجم القضية الفلسطينية وارتداداتها على الإقليم ككل. فهي تريد سلاماً يليق بمكانة بلاد الحرمين الشريفين وقناعاتها بأن للفلسطينيين حقوقاً تاريخية لا يمكن تجاوزها مهما علت أمواج الضغوطات وتعمقت جذور الإغراءات. فمن هنا، من هنا فقط تنفذ خيوط السلام العادل والشامل قبل الولوج نحو ميدان الاتفاقات الإبراهيمية.
آمن محمد بن سلمان بالإنسان ركيزة رؤية 2030 وجسر العبور نحو المستقبل. وحين كشف عن بذل "أقصى الجهود" للتوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وإيران لم يغفل أن يكون أي اتفاق مستقبلي بين طهران وواشنطن يرضي مصالح كل أطراف المنطقة وازدهار شعوبها. وفي جعبة المعلومات فإن ولي العهد السعودي بحث مع الرئيس ترامب إمكان تفكيك عقد معاودة المفاوضات النووية مع طهران وتهيئة بيئة محادثات بناءة بين البلدين استناداً إلى رسالة تلقاها الأمير محمد بن سلمان من الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان يعوّل فيها الأخير على حكمة ومكانة الرياض إقليمياً ودولياً.
تلك العناوين الكبرى التي رافقت زيارة المنعطف لولي العهد السعودي إلى واشنطن، فكيف لذيول وبقايا نظرية عزل السعودية أن تنمو في رياض المبادئ والثبات؟


