: آخر تحديث

"زيكو" والفشل

8
6
5

في عام 2022، أنتجت السينما المصرية فيلماً درامياً بطابع كوميدي وواقعي، تحت عنوان “من أجل زيكو”.

يحكي هذا الفيلم قصة أسرة بسيطة تعيش في إحدى القرى المصرية، يتلقى الابن الصغير "زيكو" ترشيحًا بالخطأ (بسبب تشابه الأسماء)، من مدرسته للمشاركة في مسابقة "أذكى طفل في مصر"، ولكنه في الحقيقة لم يكن مؤهلاً للدخول في هذه المسابقة.

يحرِّر هذا الحدث حلمًا قابعاً في نفوس أفراد العائلة، التي ترى فيه فرصة للخروج من بؤسها اليومي. وبالرغم من توضيح الإدارة لخطئها في الاختيار ونصحها الأسرة بتجنيب الطفل مرارة الخسارة أمام أطفال آخرين حصلوا على تعليم عالٍ المستوى إضافة إلى قدراتهم الذاتية الجيدة، فقد أصرت الأسرة على الاشتراك. القضية بالنسبة إلى الأسرة أصبحت "قيمة" يجب السعي للحصول عليها.

لكن سرعان ما اكتشفت الأسرة وجود فارق كبير بين طفلها وأطفال الأسر المشاركة من خلال الأسماء الراقية للأطفال مقارنة بالابن "زيكو"، أولاً، ومهن ذوي هؤلاء الأطفال المتنافسين ثانياً، وطبيعة الإجابات عن الأسئلة التي واجهها "زيكو" بالصمت، أخيراً.

وحفاظاً على المزاج العام للمشاهدين، أراد المخرج إظهار كفاءة غنائية عالية لدى "زيكو" في نهاية المسابقة، ليصنع شيئاً من تكافؤ الفرص بين الطبقات، من خلال إصرار الأسرة والطفل كذلك على الغناء، بالرغم من تخصص البرنامج بالمنافسة العلمية بين الأطفال.

غنى "زيكو" في النهاية:

"الغزالة رايقة ما الناس الحلوة سايقة".

وأعجب الجميع بالأغنية، ولكن الفيلم بأكمله، كشف عن عورة النظام العربي، الذي لم ينجح في تحقيق تنمية شاملة تقضي على الفوارق بين الأرياف والمدن، الفقراء والأغنياء، وصنع نتيجة لذلك هويات وثقافات طبقية متمايزة.

صعود "زيكو" الطفل الفقير، على منصة التنافس عن طريق الخطأ وهو يحمل معه "ثقافة الهامش" ووقوفه مع أطفال مترفين ومسلحين بمهارات عالية، وضع التباينات الطبقية تحت الأنوار الكاشفة في وقت واحد. وحتى محاولة المخرج، تجميل قبح الفقر بإظهار تفاعل الجمهور مع "زيكو" المطرب (وليس "زيكو" الشاطر والذكي)، هي الأخرى، أماطت اللثام عن فشل المؤسسات الرسمية للدولة في الكشف عن مواهب الأطفال ووضعها في السياقات المناسبة.

قبل أكثر من عقد، شاركت في مؤتمر عالمي في الصين حول التنمية والسيادة، وانبرى مثقف عربي خلال إحدى جلسات هذا المؤتمر، بمدح النظام الصيني لما حققه من رفاهية، بعد أن رأى مشاهد الحداثة في بكين، وجاء تعقيب المسؤول الصيني على رأيه صادماً "لاندفاعه في المدح"، حين قال: "لسنا فخورين بما حققناه لحد الآن، بسبب وجود مناطق واسعة من الصين ما زالت تعيش بفقر شديد، ولدينا خطة لتحقيق التنمية الشاملة قبل عام 2030". وبالفعل فقد أعلنت الصين بانتهاء الفقر رسمياً في عام 2020.

مظاهر بكين خدعت صديقنا المثقف العربي لتستدعي ثقافة المديح لديه، وأرقام الفقر ردعت المسؤول الصيني عن التفاخر وجعلته يناقش تنمية يرى فيها الجميع سواسية ضمن أفق محدد.

مهما اجتهدت الحكومات العربية في تجميل واقعها أمام العالم في إقامة مؤتمرات وفعاليات وطرق معبّدة لإيصال الوفود إلى فنادقهم ومناظر ساحرة لهم، فإنها تبقى حاملة لعار الفقر وانعدام العدالة… الأرقام تتحدث وليس المظاهر الخادعة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف