واصلت إسرائيل استهدافها لمقار ومراكز وعناصر تقول إنهم يتبعون لحزب الله الذي يعمل على إعادة بناء ترسانته العسكرية التي تضررت بفعل الحرب التي شنتها تل أبيب عليه في شهر أيلول (سبتمبر) من العام الماضي.
وعشية يوم عيد الأضحى، خرج المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، ليطالب سكان أبنية محددة في منطقة الضاحية الجنوبية لبيروت بضرورة مغادرتها قبل أن تقصفها الطائرات الحربية بسبب وجود مراكز لتصنيع طائرات مسيّرة فيها، وبالفعل تم استهداف هذه المنطقة بسلسلة من الغارات وسط موجة إخلاء سريعة للسكان.
ومنذ توقف الحرب في أواخر شهر تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، استهدفت إسرائيل الحزب عشرات المرات، واغتالت عدداً من كوادره. كما أنها ليست المرة الأولى التي تقصف فيها منطقة الضاحية التي وضعها أمين عام حزب الله الراحل، حسن نصر الله، في يوم من الأيام بمواجهة تل أبيب في معادلة أراد من خلالها تقديم صيغة جديدة من توازن الرعب والردع. وبالمقابل كان رد حزب الله يقتصر على إصدار البيانات والتنديد والاستنكار ومطالبة العرب والغرب بردع إسرائيل، مما خلق إشكالية كبيرة حول إصراره على الاحتفاظ بسلاحه من جهة، وبالمقابل مطالبة المجتمع الدولي بالتدخل.
ولطالما أعلن قادة حزب الله أن السلاح هدفه الأساسي ردع إسرائيل وحماية لبنان، خاصة بعد الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب عام 2000. لكن السنوات الأخيرة، وبالأخص تطورات الحرب الجارية منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كشفت تحولات جذرية في وظيفة هذا السلاح، وبات يُطرح بقوة تساؤل حول فعاليته، واعتباره أنه بات يشكل عبئاً على الحاضنة الشعبية التي اضطرت إلى النزوح من جنوب لبنان والبقاع خلال الحرب.
معادلة "الردع" التي تباهى بها الحزب لعقود، تلقت ضربات قاسية في المواجهة الأخيرة. فالضربات الإسرائيلية لم تتوقف، واستهدفت بُنى عسكرية للحزب وقيادات ميدانية دون أن تنجح صواريخ الحزب في وقفها أو ردعها. هذا الفشل في فرض توازن رعب يثير تساؤلات حول ما إذا كان الحزب يمتلك فعلاً قدرات ردع أم أن "الردع" كان وهماً أو مبالغة سياسية وإعلامية أكثر من كونه واقعاً عسكرياً.
السلاح الذي قيل إنه لحماية لبنان، بات عبئاً ثقيلاً على اللبنانيين بشكل عام وقواعد الحزب الشعبية بشكل خاص. فقد دفع أبناء الجنوب الثمن الأكبر من حرب الإسناد، من تدمير البنية التحتية، إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان، وانهيار الحياة الاقتصادية في مناطقهم. وبينما تواصل قيادات الحزب الحديث عن "الصمود"، لم ينجح الحزب حتى اللحظة في فرض إعادة إعمار ما تهدم.
ومع توالي الضربات، يخرج السؤال الكبير: ماذا ينتظر الحزب؟ فالسلاح الذي لم يثبت جدواه كأداة ردع في مواجهة تل أبيب في الحرب الأخيرة أصبح يُستخدم لتحذير سكان المباني التي يخرج أفيخاي أدرعي مطالباً سكانها بالابتعاد عنها لكونها هدفاً لسلاح الجو الإسرائيلي، والحزب يُستنزف عبر استهداف أعضائه ومقراته في الجنوب، وغير قادر على الرد، والأهم أن هناك معادلة واضحة: لا استثمار في لبنان إذا لم يتم حل موضوع السلاح، وبشكل أدق تطبيق خطاب قسم رئيس الجمهورية جوزاف عون بعد انتخابه.
الامتناع عن الرد والتمسك بالسلاح، كما أعلن مراراً أمين عام الحزب الحالي نعيم قاسم، بدأ يثير علامات استفهام حول النوايا الحقيقية. فبحسب الاتفاق الأخير لوقف الحرب، يتوجب على حزب الله الانسحاب إلى شمال نهر الليطاني، ما يعني ابتعاده عن الحدود، وبالتالي فإن سردية الاحتفاظ بالسلاح لمقارعة إسرائيل تنتهي هنا. فهل دور السلاح القادم سيكون على الداخل لتحصيل مكاسب سياسية وإعادة إنتاج نظام سياسي جديد؟ وهل تجدي المراهنة على اتفاق إيراني-أميركي بخصوص النووي قد يرفع عن حزب الله بعض الضغوط؟ وبالتالي يتمكن من الحفاظ على ما تبقى من ترسانته بحجج تتعلق بمخاوف من اجتياح جماعات متطرفة لمناطقه البقاعية، مع ضمانات بأنه لم يعد هناك خطر في الأصل على إسرائيل من هذه الترسانة.