إيران تبحث حالياً عن مخرج من الضغط الذي يأتيها من الإدارة الأميركية الترامبية، وكذلك بسبب تراجع دورها أو مهمتها السابقة، فتحاول البحث عن تحالفات جديدة لتعزز من توازنها في المنطقة، وعلى ما يبدو فهي تتقاطع مع مصر في زوايا بسيطة جداً، إذ من السهل أن تنهار تلك التقاطعات بحكم قوة العلاقات الإماراتية المصرية وكداعم للقاهرة بقوة، وإيران لا تقدم شيئاً مفيداً بل تقدم مشاكل أكثر مما تقدم كحلول، فلا أعتقد أن التقارب الإيراني مع مصر مهم على المدى المتوسط والبعيد، وهو ما يؤكده تقارب الرئيس السابق محمد مرسي الذي انتهى به التقارب إلى سقوطه وحزبه؛ فالعلاقة مع إيران ستبقى من منظور خاص علاقة مسمومة.
إيران تعمل ضمن الخط الشرقي، أما مصر، فلا أقول (تلعب على الحبلين)، لكنها تجيد القفز أحياناً إذا شعرت بأنَّ السفينة غارقة، وتهدف أن تترك الأبواب مواربة، لهذا عندما شعر الإيرانيون بفتور نوعي بين مصر ودول الخليج، سعوا لتعزيز حضور إيران بالمنطقة، أو هكذا تعتقد طهران.
لفهم الموقف المصري الحالي، لا بد من أن يؤخذ من زوايا عدَّة يفهمها المحللون والخبراء الاستراتيجيون مثلاً:
1. كيف تعاملت مصر مع أحداث سوريا؟
2. ماذا تضمنت تصريحات المسؤولين المصريين بشكل عام؟
3. أين يتمحور تركيز تلك التصريحات؟
4. لماذا جرى فتح أبواب العلاقة مع إيران في هذه المرحلة؟
5. ماذا تريد إيران الآن، وماذا يمكن أن تقدم لمصر؟
من خلال الردود الواقعية على الأسئلة السابقة، تتضح الحكاية كما يقول دائماً الأستاذ عبدالله المديفر.
وقد تركت باب المشاركة في الإثراء لبعض الكتّاب الأفاضل، إذ يقول أحد الخبراء: "في تقديري الشخصي، خطوة كهذه لم تقم بها مصر إلا بعد مشاورات مع دول الخليج، في سبيل إيجاد عضو فعال يستطيع أن يمارس الضغط على إيران في أي مرحلة من مراحل التفاوض والوفاق بين دول الشرق الأوسط. ما فعلته مصر هو نوع من التقارب ومحاولة ضم إيران لدول المنطقة وترسيخ سبل السلام. مصر لن تستطيع الاستغناء عن الدعم الخليجي، والخليج لن يستطيع ترك مصر لوحدها، وهي دولة تملك القوة العسكرية. في المنطقة عمل سياسي مهم تقوده السعودية من جهة، ومصر من جهة أخرى. السعودية تكثف أوراق الضغط على أميركا، ووجود مصر مع إيران فيه مصالح مشتركة، وهذا أمر يقلق الأميركيين، وبالتالي يصبح للسعودية دور في حل أزمة قد تحدث بين الطرفين.
وما فعله السوريون أمس تجاه الجولان جاء في وقته، ولا أعتقد أنه صدفة. أميركا اليوم مطالبة بالوقوف وبحزم تجاه ما تفعله إسرائيل، أو أن الأمور ستكون أصعب وتكثر مشاكلها في المنطقة، مصر وإيران من جهة، ومصالحها مع الخليج من جهة أخرى".
رأي يعتد به، فيما يرى البعض أن هذه القراءة غير دقيقة لاعتمادها على فرضيات بعيدة نوعاً ما عن الواقع السياسي، ولا تتوافق مع تاريخ الأحداث. وفيه تغييب لدور استخبارات البلدين المعنية بتحليل المواقف بشكل مفصل، وتقديم الرأي الأصوب لمتخذ القرار، والشرح يطول في هذا.
فيما يرى خبير آخر أنَّ "الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لا يزال يعيش وهم 'مصر العظمى'، وساءه تصدّر المملكة للمشهد السياسي والاقتصادي والديني طبعاً في الشرق الأوسط، وأنها أضحت مركز القرار الإقليمي ومقصد قادة العالم.
ومصر الحالية تنازع وتناكف، والسيسي لديه ما يمكن وصفه بالأوهام السياسية، أو سوء النية، لا سيما مواقفه الفاترة من التطورات في سوريا، ربما خوفاً من استنساخ التجربة السورية في مصر في ظل نظام يواجه تحديات كبيرة في الداخل والخارج".
وهنا رأي مقتضب لخبير ثالث يقول: "أعتقد أنه ليس تقارباً بل رسائل مصرية لمن يهمه الأمر، بأن المشهد السياسي في المنطقة متجه للتأزيم، والسيسي لا يعرف أنه لا يستطيع اللعب على الحبلين. ومكالمة واحدة فقط بين حكام الخليج تنهي أي خلاف".
وختاماً، هذا التقارب المصري الإيراني ما زال أفقه ضيقاً، وليس هناك نقاط وفاق سياسي على مدى التاريخ الطويل للبلدين بسبب الاختلاف الجذري لرؤيتهما ومرتكزاتهما، ونظرة البلدين مختلفة في العراق وفلسطين واليمن، ومنطلقاتهما الفكرية مختلفة لأنظمة الحكم في البلدين، بل متضادتان، فإيران ثورية دينية، ومصر ثورية قومية، وبين النظامين عداء وجودي لا يمكن أن تغطيه عباءة المصالح. وخسارة مصر من السياسات الإيرانية بالمنطقة كبيرة بسبب أعمال الحوثي المدعوم من إيران في مضيق باب المندب، وخسارتها السياسية أكبر بسبب عبث حماس في غزة. ومصر تدرك أنَّ الحاضنة العربية تعني أن تبقى تلعب دور الأخ المدافع عن القضايا العربية، وجيشها دائماً جاهز لدعم الأشقاء العرب (مسافة السكة)، وخاصة بعد خروج العراق وسوريا من حسابات ثقل القوة العسكرية بالمنطقة العربية ذات المد القومي العروبي. وتدرك مصر أهمية ألا تثير قلق دول الخليج، أو تخسر أوراق اللعب العديدة التي باتت تمتلكها. ولكن لفهم الخطوة المصرية بشكل أكثر دقة، يتطلب قراءة عميقة لتصريحات البلدين، وربطها مع المعطيات الدولية المحيطة، واتجاه السياسات العامة للدول الفاعلة بالمنطقة. ومن طبيعة السياسة الغموض، لكنها دائماً تسير وراء المصالح.