: آخر تحديث

سيناريو الرعب.. ماذا لو تكرر انقلاب غزة في الضفة؟

11
7
7

ماذا لو تكرر سيناريو غزة في الضفة الغربية؟ سؤال يثير الرعب. في سيناريو افتراضي لسيطرة حماس "الإرهابية" على الضفة الغربية، يمكن تصور مشهد مشابه لما حدث في غزة عام 2007، حيث قد تلجأ الحركة إلى العنف المفرط ضد خصومها السياسيين، وخاصة قيادات وكوادر حركة فتح والأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية. قد تشهد مدن الضفة عمليات إعدام ميدانية، وإلقاء للمعارضين من أسطح المباني، وتصفيات جسدية، تماماً كما حدث في غزة.

وللإحاطة بهذا السيناريو المقلق، لا يمكن فهم الوضع الحالي دون العودة إلى تاريخ الانقسام الفلسطيني، ولفهم هذا السيناريو، علينا العودة إلى جذور الانقسام الفلسطيني الذي تعمق بعد فوز حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006، وما تلاها من أحداث دامية انتهت بسيطرة الحركة على قطاع غزة في يونيو 2007. الخلاف الأيديولوجي بين حركتي فتح "العلمانية" وحماس "الدينية" لم يكن وليد اللحظة، بل تراكم عبر سنوات من التنافس على قيادة الشعب الفلسطيني وتحديد مسار نضاله.

وفي هذا السياق، تختلف حماس وفتح في كل شيء تقريباً، من الأيديولوجيا إلى أساليب العمل، فقد رفضت حماس منهج التسوية السلمية الذي تبنته فتح، وأصرت على الكفاح المسلح طريقاً وحيداً للتحرير، مما خلق تناقضاً جوهرياً في الرؤى والاستراتيجيات. هذا التناقض تحول إلى صراع دموي في غزة، وقد يتكرر بصورة أكثر عنفاً في الضفة الغربية إذا ما سنحت الفرصة لحماس بالسيطرة عليها.

والأخطر من ذلك كله، أن حماس "الإرهابية" تشكل خطراً على وحدة الشعب الفلسطيني. حيث تمثل حماس وباءً سياسياً حقيقياً في الجسد الفلسطيني، فهي تنشر ثقافة الانقسام والكراهية والتطرف. منذ تأسيسها عام 1987، عملت الحركة على تقويض الوحدة الوطنية الفلسطينية، ورفضت الانضمام لمنظمة التحرير الفلسطينية، وسعت لفرض أجندتها الخاصة على حساب المصلحة الوطنية العليا.

 

وكمثال واضح على هذا الخطر، تحولت غزة تحت حكم حماس "الإرهابية" إلى نموذج صارخ للفشل السياسي والإنساني، حيث تحولت غزة تحت حكم حماس إلى سجن كبير، بسبب القمع الداخلي الذي تمارسه الحركة "الإرهابية" ضد معارضيها. من يتابع الوضع سوف يشاهد اعتقالات تعسفية، تعذيب في السجون، إعدامات ميدانية، قمع للحريات الصحفية والأكاديمية، كلها ممارسات أصبحت جزءاً من الحياة اليومية في القطاع.

غير أن الوضع في الضفة الغربية مختلف تماماً،  فالضفة الغربية تختلف عن غزة في نواحٍ كثيرة، مما يجعل المشهد أكثر خطورة. الفارق الجوهري هنا أن الضفة الغربية تختلف جغرافياً وديموغرافياً وسياسياً عن غزة. فهي ليست محاصرة بالكامل، وتتداخل مع المستوطنات الإسرائيلية، وتخضع لسيطرة أمنية إسرائيلية في مناطق واسعة منها. كما أن وجود السلطة الفلسطينية فيها أكثر رسوخاً، والتنسيق الأمني مع دولة إسرائيل أكثر تعقيداً.

وفي ظل هذا الوضع المعقد، ستضع حماس "الإرهابية" المدنيين في مرمى النيران عن عمد لتحقيق مكاسب سياسية، ومن ثم ستعمل حماس على عسكرة المجتمع الفلسطيني في الضفة، وستجند الشباب قسراً في صفوفها، وستستخدم المناطق السكنية كمنصات لإطلاق الصواريخ، وستبني أنفاقاً تحت المنازل والمدارس والمستشفيات، كما فعلت في غزة. وهذا سيحول المدنيين إلى دروع بشرية في مواجهة الآلة العسكرية الإسرائيلية.

وللاستدلال على هذا المصير المحتوم، تقدم غزة صورة مصغرة لما ستكون عليه الضفة تحت حكم حماس "الإرهابية". فإذا افترضنا نجاح حماس في السيطرة على الضفة، فماذا سيكون شكل حكمها؟ تجربة غزة تقدم لنا صورة قاتمة. فبعد 14 عاماً من سيطرة الحركة على القطاع، تحول إلى منطقة محاصرة تعاني من فقر مدقع، وبطالة مرتفعة، وانهيار في البنية التحتية، وقمع للحريات.

وبناءً على هذه التجربة المريرة، ستكون سيطرة حماس "الإرهابية" على الضفة كارثة شاملة لا تبقي ولا تذر، حيث يمكن توقع سلسلة من الممارسات القمعية التي ستطال كل مناحي الحياة حيث ستبدأ حماس بتصفية قيادات وكوادر فتح والأجهزة الأمنية وستستخدم أساليب وحشية لترهيب المجتمع كما فعلت في غزة وستفرض الحركة رؤيتها الدينية المتشددة على المجتمع وستقيد الحريات الشخصية وستحول الضفة إلى قاعدة عسكرية وستجند الشباب قسراً وستستخدم المدنيين دروعاً بشرية في مواجهاتها مع إسرائيل.

وعلى الصعيد الدولي، ستفقد الضفة الغربية كل الدعم الدولي إذا سيطرت عليها حماس، وستؤدي إلى عزلة دولية شاملة للفلسطينيين. فالدول الغربية والعربية المعتدلة ستقطع علاقاتها مع الضفة، وستوقف المساعدات المالية، كما حدث بعد فوز حماس في انتخابات 2006.

وفي المحصلة النهائية، سيدفع الفلسطينيون العاديون ثمن سيطرة حماس "الإرهابية" على الضفة من دمائهم وأرزاقهم، وسوف تكون سيطرة حماس على الضفة كارثة على الفلسطينيين قبل أي طرف آخر، وسوف تغرقهم في دوامة من العنف والفقر والعزلة، فالشعارات البراقة عن المقاومة والتحرير ستصطدم بواقع مرير من القمع والفشل والمعاناة.

لكن رغم هذه المخاوف المبررة، فإن تكرار سيناريو غزة في الضفة الغربية ليس مستحيلاً، ولكنه من الصعب جداً تحقيقه على أرض الواقع. وتكمن الصعوبة في الاختلافات الجوهرية بين المنطقتين، بدءاً من الطبيعة الثقافية والفكرية لسكان الضفة الغربية الذين يتميزون بتنوع فكري وانفتاح ثقافي أكبر مما هو عليه الحال في غزة. هذا التنوع يجعل من الصعب على حماس فرض أيديولوجيتها الدينية المتشددة على مجتمع يميل إلى العلمانية والتعددية السياسية. وكما أن سكان الضفة لديهم حساسية خاصة تجاه أي سلطة دينية قادمة من الخارج، ويرفضون الخضوع لإملاءات تتعارض مع تطلعاتهم نحو الحرية والديمقراطية.

إضافة إلى ذلك، فإن العامل الأكثر أهمية هو قوة السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، والتي تختلف جذرياً عن وضعها في غزة قبل انقلاب 2007. فالأجهزة الأمنية الفلسطينية في الضفة أكثر تنظيماً وتسليحاً وتدريباً، وتحظى بدعم دولي وإقليمي كبير، مما يجعل من المستحيل عملياً على حماس هزيمتها عسكرياً كما فعلت في غزة. بالإضافة إلى ذلك، فإن التنسيق الأمني مع دولة إسرائيل يشكل عاملاً حاسماً في منع أي محاولة من حماس "الإرهابية" للسيطرة على الضفة، حيث لن تسمح إسرائيل بتكرار سيناريو غزة على حدودها الشرقية.

وفي ضوء هذا التحليل، فإن هذه العوامل مجتمعة تجعل من سيناريو سيطرة حماس على الضفة الغربية أمراً بعيد المنال، رغم خطورته النظرية. لكن هذا لا يعني التقليل من خطر حماس ومشروعها المتطرف، بل يستدعي اليقظة المستمرة والعمل على تعزيز المؤسسات الديمقراطية الفلسطينية، وتقوية السلطة الوطنية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.