لا يبدو أنَّ الأمر يعبر عن صمت واضح أو حتى عدم اهتمام، بل إن كل دول المنطقة، ولن أستثني أحدًا، تسعى جاهدة بكل السبل لرفع الاعتداء الغاشم على غزة وشعبها الذي يواجه الموت بشكل يومي. اليوم نتحدث عن إبادة جماعية لا يمكن أن يصمت حيالها المجتمع الدولي إلا إذا كان راضيًا بما يحدث، وبالطبيعة الإنسانية لا يوجد إنسان يشاهد ما يحدث في غزة، ويملك سبلًا لإنقاذ هذا الشعب من الموت، ويلتزم الصمت.
ما يفعله وزير خارجية المملكة العربية السعودية الأمير فيصل بن فرحان يثلج صدر كل عربي؛ إنسانية منقطعة النظير.. رجل لا يكاد يهدأ حتى يتحرك في اتجاهات أخرى من أجل القضية الفلسطينية. ما تحدث به خلال المؤتمر الصحفي المشترك في الأردن يعطي انطباعًا بأن هذه القضية جزء مهم من حياته اليومية. ما زال يصارع في كل اتجاه من أجل خلق فرص السلام في المنطقة، دون أن يقدم تنازلات تضر مصالح الدولة الفلسطينية وشعبها، ودون أن تكون له ردة فعل تخرجه عن سياق عمله الحقيقي الذي يسعى من أجله، بل وصف رفض إسرائيل لزيارة الوفد الوزاري للضفة الغربية المحتلة على أنه تطرف ودليل على أنهم لا يريدون السلام، ولا يسعون له.
في المؤتمر تحدث بكل وضوح عن تعنت إسرائيل وعدم استجابتها لكل سبل السلام في المنطقة، وناشد المجتمع الدولي بشكل واضح وعبر وسائل الإعلام أن ما يحدث من مجازر في غزة لن يعيد فرص السلام لمسارها السليم، وعلى المجتمع الدولي الاعتراف بدولة فلسطين وقبول مقترحات السلام التي تعيد للمنطقة استقرارها. لن تقبل السعودية ولا مصر ولا دول المنطقة بتهجير الفلسطينيين من ديارهم، ولن يكون هذا الأمر ممكنًا مهما تطورت الأحداث، وارتفعت حصيلة الإبادة الجماعية. كلّ السبل السلمية لن تتوقف من أجل إيقاف المأساة في غزة، وقد تكون دعوة وزير الخارجية السعودي الدول الأوروبية للاعتراف بدولة فلسطين من أهم الفرص التي تمنح السلام في المنطقة، وهذا الأمر يحتاج عملًا كبيرًا ودخول دول مؤثرة على كافة المستويات لتفعيل هذا الطلب وتحقيقه على أرض الواقع.
ليس بمقدور إسرائيل مواصلة هذا الإجرام طالما أنَّ هناك جهودًا سياسية ودبلوماسية فعلية لحل هذه القضية وحماية الشعب الفلسطيني من هذا البطش الإسرائيلي الغاشم على غزة والذي لا يتوقف. العرب اليوم في مرحلة مهمة وحساسة من القضية التي أخذت أبعادًا كبيرة ليس بها من الإنسانية شيء من الجانب الإسرائيلي. لسنا متشائمين طالما أن هناك جهودًا سلمية وضغوطًا كبيرة وحلولًا واضحة لإعادة الحياة في غزة، ولن تصمد إسرائيل كثيرًا أمام هذا الضغط الدولي، ولأن السعودية ودول المنطقة يقودون مشروع سلام واضحة أهدافه وضوابطه سيكون هناك مخرج في القريب العاجل.
اليوم الوضع في غزة أكثر قسوة وظلمًا وبطشًا؛ وبالتالي لن تكون الجهود الدولية المبذولة بنفس درجة الهدوء السابقة، فالمشاهد التي تنقلها بعض القنوات الإخبارية من غزة لا يمكن احتمالها، وهي مشاهد في مجملها غير مسبوقة منذ أن بدأت القضية الفلسطينية والصراع الإسرائيلي.
تفاءلت كثيرًا بردة فعل وزراء الخارجية في المؤتمر الصحفي الذي عقد مؤخرًا، وعلى وجه الخصوص حديث الأمير فيصل بن فرحان وزير الخارجية السعودي، وقد تكون نتائجه إيجابية على المدى القريب. الجهود قائمة والآمال منعقدة عليها، والفرص ما زالت متاحة، وقوة التأثير الدولية لن تجعل إسرائيل تصمد كثيرًا، الاعتراف بدولة فلسطين هدف أساسي وقائم بالرغم من كل التحديات.