تفرض التطورات المتسارعة في البرنامج النووي الإيراني واقعاً جديداً يدفع دولة إسرائيل للتفكير في خيار الضربة الاستباقية. فقد أشارت التقارير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى تصاعد القلق الدولي من اقتراب إيران من امتلاك القدرة على إنتاج أسلحة نووية، الأمر الذي يشكل تهديداً وجودياً لإسرائيل والاستقرار الإقليمي بأكمله.
يحمل التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤشرات خطيرة تؤكد تسارع تخصيب اليورانيوم في إيران بشكل غير مسبوق. فقد أوضح التقرير أن إيران رفعت وتيرة إنتاج اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وهي نسبة تقترب كثيراً من المستوى المطلوب للاستخدام العسكري (90%). وتشير المعطيات إلى أن مخزون إيران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% بلغ حوالي 408.6 كيلوغرام، بزيادة قدرها 133.8 كيلوغرام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، مقارنة بزيادة سابقة قدرها 92 كيلوغرام فقط.
وتبرز الأرقام الحديثة مخاوف جدية من امتلاك إيران لمخزون يكفي لصنع قنابل نووية متعددة إذا تم تخصيب اليورانيوم للمستوى العسكري. فبحسب تعريف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإن 46 كيلوغراماً فقط من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% تكفي نظرياً لإنتاج قنبلة نووية واحدة إذا خُصّبت أكثر، ما يعني أن إيران تمتلك الآن ما يكفي لصنع 8-9 قنابل نووية.
فيما يكشف تقرير الوكالة عن أنشطة نووية سرية في إيران، مع محاولات واضحة لإخفاء الأدلة وتعطيل التحقيقات الدولية. فقد أشار التقرير إلى أن إيران أجرت أنشطة نووية في ثلاثة مواقع لم تعلن عنها، وقامت بتنظيفها لإعاقة تحقيقات الوكالة، كما وصف التعاون الإيراني بأنه "أقل من مرضٍ" بسبب عدم تقديم إجابات فنية ذات مصداقية.
وتشير التطورات الأخيرة إلى اقتراب إيران من الوصول إلى "العتبة النووية" في وقت قياسي، ما يرفع مستوى القلق الدولي. وبحسب تقديرات الخبراء، قد تحتاج إيران إلى بضعة أسابيع فقط لتخصيب اليورانيوم إلى المستوى العسكري إذا قررت ذلك.
تؤكد المستجدات أن المسار الدبلوماسي لم ينجح في كبح جماح البرنامج النووي الإيراني، بل استغلت طهران المفاوضات لتعزيز قدراتها. فعلى الرغم من استمرار المحادثات بين إيران والولايات المتحدة، لم يتم التوصل إلى اتفاق نووي جديد، بينما تواصل إيران تطوير برنامجها بوتيرة متسارعة.
الحقيقة أن هناك مخاوف إسرائيلية مشروعة من التهديد الوجودي الذي يشكله البرنامج النووي الإيراني، في ظل التصعيد المستمر. فقد أكد مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أن تقرير الوكالة الدولية يمثل "إنذاراً صريحاً" بشأن عزم طهران على استكمال برنامجها النووي، مطالباً المجتمع الدولي بالتحرك الفوري.
بلاشك فإن الفرص تتقلص أمام إسرائيل مع تزايد تحصين المنشآت النووية الإيرانية وتطور الدفاعات، مما يصعب أي عمل عسكري مستقبلي. فإيران تعمل على دفن منشآتها في أعماق الجبال وتطوير أنظمة دفاع جوي متقدمة، ما يزيد من صعوبة استهدافها مع مرور الوقت.
ويرى مراقبون أن اللحظة الراهنة قد تكون الأنسب لإسرائيل للتحرك، في ظل دعم أمريكي وظروف دولية قد تتغير قريباً. فوجود إدارة أمريكية داعمة حالياً يمثل فرصة قد لا تتكرر، خاصة مع احتمالية تغير السياسات الدولية مستقبلاً. لكن من المرجح أن ترد إيران بقوة على أي ضربة إسرائيلية، مع تعدد سيناريوهات الرد بين هجمات مباشرة أو محدودة. فقد تلجأ إيران إلى شن هجوم صاروخي مباشر على أهداف إسرائيلية محددة، مع محاولة تجنب التصعيد الشامل.
ترجح المؤشرات أن تلجأ إيران إلى تفعيل وكلائها الإقليميين لشن هجمات متزامنة ضد أهداف إسرائيلية، ما يهدد بتوسيع دائرة الصراع. ويشمل ذلك حزب الله في لبنان، والميليشيات في سوريا والعراق، والحوثيين في اليمن، وربما خلايا نائمة في مناطق أخرى. فيما قد تجمع إيران بين الهجمات الصاروخية المباشرة وتفعيل حلفائها الإقليميين.
بلا شك فإن القدرات الصاروخية الإيرانية وشبكة الوكلاء تفرض تحديات كبيرة على أي تحرك عسكري إسرائيلي محتمل. فإيران تمتلك أكبر ترسانة صاروخية في الشرق الأوسط، تشمل صواريخ باليستية متوسطة المدى وصواريخ كروز وطائرات مسيرة هجومية.
شكل توزيع المنشآت النووية الإيرانية وتحصينها عسكرياً عقبة رئيسية أمام أي هجوم إسرائيلي فعال. فبعض المنشآت مدفون عميقاً تحت الأرض مثل منشأة فوردو، ما يتطلب أسلحة خاصة لاختراقها.
وفي ضوء الوقائع الميدانية، تبدو الحاجة ملحة أمام دولة إسرائيل للتحرك سريعاً قبل أن تصبح إيران دولة نووية بحكم الأمر الواقع. فمع امتلاك إيران لكميات كبيرة من اليورانيوم المخصب وتسارع وتيرة التخصيب، يداهم الوقت إسرائيل.
يضع التهديد الإيراني النووي دولة إسرائيل أمام خيار صعب، مع تضاؤل الوقت المتاح لأي تحرك عسكري ناجح. ومع تزايد تحصين المنشآت النووية وتطور القدرات الدفاعية الإيرانية، تصبح المهمة أكثر تعقيداً.
في المحصلة، تواجه إسرائيل ضغوطاً متزايدة لاتخاذ قرار حاسم بشأن البرنامج النووي الإيراني، رغم المخاطر والتحديات الكبيرة. فتكلفة عدم التحرك قد تكون أكبر بكثير من تكلفة التحرك الآن، خاصة إذا نجحت إيران في امتلاك سلاح نووي.