: آخر تحديث

السعودية تعيد تعريف التجربة الروحية بلغة المستقبل‎

9
7
5

في موسمٍ لا يشبهه في العالم موسم، وتحت شمسٍ ترهق الأرواح قبل الأجساد، وقفت المملكة العربية السعودية – كعادتها – أمام اختبار الحج العظيم بوصفها دولة تدير موسمًا عظيماً، وباعتبارها حاضنةً للقداسة، ومهندسةً لحركة ملايين البشر، وعقلًا استراتيجياً يُعيد تعريف معنى "الخدمة" في أسمى صورها.

ليس سهلًا أن تجمع بين قدسية الشعيرة وضغط الحشود، وبين حرمة الزمان وهشاشة الإنسان، وبين ضخامة العدد وحساسية الموقع. ومع ذلك، تُظهر المملكة، عامًا بعد عام، أنَّ التنظيم ليس فقط مسألة جداول وتحركات، ولكن هو فلسفة قائمة على التمكين لا التعقيد، والرعاية لا المراقبة، والابتكار لا التكرار.

حج هذا العام جاء مختلفًا. فكانت التقنيات حاضرة بكثافة؛ من الذكاء الاصطناعي، إلى طائرات الدرون، إلى الإنترنت المجاني في كل بقاع المشاعر؛ لأن هذه التقنيات لم تكن عرضًا تقنيًا معزولًا، بل جزءًا عضويًا من روح التنظيم، وامتدادًا لرؤية شاملة تعتبر أن الحاج لا يحتاج إلى طعام وماء فحسب، وإنما إلى كرامة رقمية، وطمأنينة اجتماعية، ورعاية صحية تطير إليه إن تعذّر عليه الوصول إليها.

إنَّ توفير أكثر من 10,000 نقطة "واي فاي" مجانية هي رفاهية لحاج متصل بالعالم، ودليل على أنَّ الدولة ترى في الاتصال وسيلة لتعزيز الطمأنينة الأسرية، ولتمكين التطبيقات الصحية، والإرشادية، واللغوية... كذلك، فإن اعتماد الدرون لنقل الأدوية بسرعة فوق الزحام جاء تجسيدًا دقيقًا لمرحلة جديدة تُدار فيها الطوارئ من الجو، وتحطّ فيها الرعاية حيث يحتاجها الإنسان.

وما بين هذه التقنية وتلك، ظلّ المشهد الأكبر واضحًا: المملكة تحكم التنظيم بالتجربة، وتفتح المسارات: للروح أن تسلك، وللعقل أن يرتّب، وللمؤسسات أن تُبدع.

إنَّ موسم الحج أداء ديني في توقيت مقدّس؛ لقد أصبح – في ظل هذه الإدارة السعودية الفذّة – مختبرًا حضاريًا مفتوحًا، تقدم فيه الدولة رؤاها، وتُجسّد فيه فلسفتها، وتبرهن فيه للعالم أن الدين لا يُناقض التقدم، وإنما يدعمه إذا أحسنت السياسة فهمه، وأخلصت في خدمته.

لقد نجحت المملكة هذا العام – وكما اعتدنا – في تقديم أنموذج فريد في إدارة التنوع، واستباق الأزمات، وتكريم الإنسان بوصفه حاجًا  متعبداً لله، وباعتباره شريكًا في التجربة.

وفي ذلك، ليس هناك من إنجاز أعظم من أن يشعر ضيف الرحمن، في أرض الله، أنه موضع عناية الله، ورعاية من حملوا الأمانة نيابة عن الأمة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.