: آخر تحديث

ساحر البيت الأبيض.. إيماءات ترامب تكتب سحر ولايته الثانية

7
7
7

كأن المسرح العالمي أضاءت أضواؤه مجددًا، وفي وسطه وقف دونالد ترامب، يلوح بيديه كقائد أوركسترا يقود سيمفونية السياسة. في ليلة 6 تشرين الثاني (نوفمبر) 2024، أعلن فوزه الثاني برئاسة الولايات المتحدة، بابتسامة عريضة ونظرات تجمع بين التحدي والثقة، وكأن كل إيماءة تحكي قصة عودته المثيرة. منذ تلك اللحظة وحتى نيسان (أبريل) 2025، تحولت لغة جسده إلى لغز يحلله العالم: هل هي مرآة لقرارات جريئة ستغير وجه أمريكا، أم ستار يخفي توتر التحديات؟ من توقيع أوامر تنفيذية إلى مواجهات دبلوماسية، كيف عكست حركاته قراراته، وما الذي كشفته عن قائد يسعى لإعادة صياغة المستقبل؟

لغة جسد ترامب، منذ فوزه الثاني، استمرت في عكس شخصيته المتمحورة حول القوة والتأثير. في خطاب النصر، كما وصفته تقارير إعلامية، استخدم إيماءات مفتوحة، مثل نشر ذراعيه أحيانًا كأنه يعانق الحشد، مع إمالة رأس طفيفة تعكس ثقة متأصلة. هذه الإيماءات، التي تُعرف بـ "الوضعية الواسعة" في تحليل لغة الجسد، تهدف إلى إظهار السيطرة والانفتاح، وهي تتماشى مع خطابه الذي وعد فيه بـ "عصر ذهبي لأميركا". لكن ما يلفت الانتباه هو تناقض خفي ظهر في لحظات معينة، خاصة عند مناقشة قضايا حساسة مثل الهجرة أو الاقتصاد. في لقاء مع رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر في شباط (فبراير) 2025، سُجل أن ترامب استخدم إيماءة "السبابة الموجهة" بشكل متكرر، وهي حركة تُفسر عادة كمحاولة للتأكيد أو الضغط، لكنه أحيانًا كان يضع يديه متجهتين للأسفل في شكل "المنارة المعدلة"، وهي إشارة إلى ثقة أقل مما يُظهر. خبراء مثل جو نافارو، المحلل السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي، أشاروا إلى أن هذه الحركة قد تعكس عدم راحة داخلية، خاصة عندما يواجه ضغوطًا دبلوماسية، كما حدث عند مناقشة دعم أوكرانيا أو الصراع في غزة.

لقطة تعود إلى ولاية دونالد ترامب الرئاسية الأولى، حيث كان أول لقاء له مع كيم جونغ أون
لقطة من أول لقاء بين ترامب وكيم جونغ أون في كانون الأول (ديسمبر) 2018

في الأشهر الأولى من ولايته الثانية، وقّع ترامب أكثر من 124 أمرًا تنفيذيًا، وهو رقم قياسي مقارنة بأسلافه، تشمل سياسات الهجرة الصارمة مثل قانون لاكين رايلي، وفرض تعريفات تجارية بنسبة 10% على معظم الدول وأكثر من 30% على دول مثل الصين. خلال مراسم التوقيع، غالبًا ما ظهر واقفًا بشكل مستقيم، مع كتفين مرفوعين ونظرة مباشرة إلى الكاميرات، وهي وضعية تُعرف بـ "القائد الواثق". لكن في لحظات الإجابة عن أسئلة الصحفيين، لاحظ المراقبون حركات يد أكثر سرعة، مثل النقر على المنصة أو التلويح العشوائي، مما يشير إلى توتر محتمل عند مواجهة انتقادات، كما حدث عندما دافع عن قراراته بإقالة موظفين في إدارات مثل الطاقة والزراعة. هذه الإشارات المتضاربة بين الثقة والقلق بدت وكأنها تعكس طبيعة قراراته: سريعة وحاسمة، لكنها أحيانًا تواجه مقاومة قضائية أو شعبية، كما حصل مع تعليق تمويل منظمة الصحة العالمية أو الخروج من اتفاقية باريس للمناخ.

لقاءاته الدولية كشفت جانبًا آخر من لغة جسده. في آذار (مارس) 2025، خلال نقاش مع قادة دوليين حول التعريفات التجارية، لاحظ المحللون أن ترامب قلّل من استخدام إيماءات الهيمنة المعتادة، مثل المصافحة القوية التي اشتهر بها في ولايته الأولى، وبدلاً من ذلك ظهرت حركات دفاعية طفيفة، مثل تقاطع الذراعين أحيانًا عند الجلوس. هذا السلوك، بحسب تحليلات لغة الجسد، قد يعكس إدراكًا للتحديات الاقتصادية الناتجة عن قراراته، خاصة بعد انخفاض مؤشر S&P 500 بنسبة 13.93% منذ بداية 2025، نتيجة التعريفات التي أثارت قلق المستثمرين. قراراته الجريئة، مثل اقتراح إعادة بناء غزة كمنتجع سياحي أو طلب نصف موارد أوكرانيا النفطية كتعويض عن الدعم الأميركي، بدت مدفوعة برغبة في إظهار القوة، لكن لغة جسده في هذه المناقشات، خاصة عند مواجهة انتقادات، أوحت أحيانًا بمحاولة لإخفاء الضغط.

تأثير لغة جسد ترامب على قراراته يمكن ملاحظته في سرعتها وطبيعتها الاستباقية. إيماءاته المفتوحة والمباشرة، مثل رفع الكتفين أو الإشارة إلى نفسه أثناء الخطابات، تعزز صورته كقائد لا يتراجع، مما يتماشى مع قرارات مثل إقالة موظفين في إدارة الأمن النووي أو تعيين شخصيات مثيرة للجدل في مناصب رئيسية. لكن الحركات الدفاعية، كتقاطع الذراعين أو النظرات الجانبية عند الأسئلة الصعبة، قد تشير إلى حساسية تجاه الانتقادات، مما يفسر إصراره على تجاهل الأحكام القضائية التي عطلت بعض أوامره التنفيذية. على سبيل المثال، عندما أصدر القاضي ويليام ألسوب أمرًا بإعادة توظيف موظفين تم فصلهم، رد ترامب بتصريحات حادة، مصحوبة بحركات يد سريعة، مما يعكس إحباطًا قد يؤثر على قرارات مستقبلية أكثر تصلبًا.

من الناحية الاجتماعية، ساعدت لغة جسده في الحفاظ على قاعدته الشعبية. استطلاعات الرأي، مثل تلك التي أجرتها رويترز في كانون الثاني (يناير) 2025، أظهرت أن 47% من الأميركيين يوافقون على أدائه، رغم الجدل حول عفوه عن 1500 من أنصار هجوم الكابيتول. إيماءاته المسرحية، مثل التلويح بحماس أو الابتسامة العريضة في التجمعات، عززت صورته كرجل قريب من الناس، مما دعم قرارات شعبوية مثل إلغاء ضرائب على الأجور الإضافية. لكن هذه الإيماءات نفسها أثارت تساؤلات حول الجدية في مواجهة أزمات مثل تفشي إنفلونزا الطيور، حيث بدا أحيانًا مترددًا في الإجابة، مع حركات يد أقل تناسقًا، مما قد يعكس ضعفًا في اتخاذ قرارات فورية لهذه القضية.

لغة جسد ترامب، بمزيجها من الثقة والدفاعية، لعبت دورًا في تشكيل بيئة سياسية مشحونة. قراراته السريعة، مثل فرض التعريفات أو إعادة هيكلة الوكالات الحكومية، تعكس إحساسًا بالسيطرة الذي يعززه بإيماءات قوية، لكن لحظات التردد أو التوتر في لغة جسده تشير إلى ضغوط قد تدفعه لتشديد مواقفه كرد فعل. لتحليل أعمق في المستقبل، يُوصى بمراقبة كيف تتطور إيماءاته مع تصاعد التحديات القضائية والاقتصادية، خاصة مع توقعات بتباطؤ النمو إلى -2.8% في الربع الأول من 2025. كما يُنصح بدراسة تفاعله مع القادة الدوليين في قمم مثل مجموعة العشرين، حيث قد تكشف لغة جسده عن نواياه أكثر من كلماته. في النهاية، لغة جسد ترامب ليست مجرد تعبير عن شخصيته، بل أداة تؤثر على ديناميكيات القوة داخل وخارج أميركا، مشكلةً قرارات قد تغير وجه السياسة العالمية.
 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.