: آخر تحديث

الانبهار والإبهار...عبدالله النفيسي نموذجا!

6
5
6

لكل جيل حالاته المتنوعة وظروفه المختلفة من الانبهار على الصعيد الثقافي والفكري والعلمي والديني، وهي جميعها عوامل ممكن أن تقود إلى إشعال جمرة النهوض الفكري، والطموحات، كنتيجة حتمية للتفكر عبر دراسات وبحوث عميقة للإبحار في رحلة التبصر. 

تعد مرحلة الستينات والسبعينات حقبة نهضوية على المستويين الثقافي والسياسي، وقد شهدت انبهاراً ثقافياً، وجدلاً فكرياً حول شتى الموضوعات والقضايا الجدلية ولا سيما فيما يتعلق بالعقيدة والإيمان، والأديان، والوجودية. لذا، برزت لدى البعض، أثناء الدراسة في الخارج، حالة انبهار.

لا يمكن فصل حالات التفكر والجدل والتأمل التي سادت تلك المراحل المبكرة خصوصاً في الجوانب الفكرية والدينية في عالم غربي وعربي منفتح ومتنوع ثقافياً، يتسم بشغف المعرفة بعيداً عن الإقصاء العلمي أو الفكري. 

ولا شك أن حالة الانبهار قد تمثل محركاً ووقوداً نحو مزيد من المعرفة والدراسات الرصينة حول شتى الموضوعات الجدلية في تلك الحقبة، لكنها، يمكن أن تؤدي إلى تقلبات ذهنية وفقدان للتوازن، بل وقد تندلع منها شرارة الذهول والانبهار بالجدل ذاته!

وقد تقود حالة الانبهار في مراحل لاحقة إلى ولع بالإبهار الإعلامي حين يصطدم الباحث غير المستقر فكرياً أو المبهور مبكراً بجدالات أيديولوجية عميقة، في ظل تلاطم أمواج مشاريع نهضوية وفكرية متنافسة، وصراع بين مدارس ومراجع علمية ودينية.

كشفت دراسة قيمة للباحث السعودي علي العميم بعنوان "شيء من النقد وشيء من التاريخ...آراء في الحداثة والصحوة وفي الليبرالية واليسار" عن الحسابات الخاطئة للدكتور عبدالله النفيسي منذ بداياته الدراسية في كلية "فكتوريا المعادي" بالقاهرة، والجامعية في لبنان وبريطانيا.
وبينت الدراسة الظروف المضطربة والمراحل المتناقضة التي مر بها النفيسي في وقت مبكر من حياته العلمية، إذ برزت "تقلبات" بالمواقف في "العمل الإسلامي الحركي"، وغزل مع جماعة "الإخوان المسلمين" وتبادل أدوار مع غض النظر عن مواقف مثيرة للجدل سياسياً وإعلامياً!
لقد شكلت حالة الانبهار التي وقع فيها د.عبدالله النفيسي بالدراسات والمقالات العلمية والتساؤلات الجدلية عن الوجودية، والإيمان، والإسلام، والأديان عموما، دافعاً له إلى اقتحام هذا العالم من زاوية دينية أكثر منها فكرية أو بحثية، كاقتحام أسوار الجامعة الأميركية في بيروت!

ومن المعروف أن الجامعة الأمريكية في بيروت خلال الستينات والسبعينات كانت مركزاً لنشاط التيارات اليسارية والقومية والعلمانية، في حين حاول د.عبدالله النفيسي تشكيل تيار إسلامي في صفوف الطلبة بالجامعة مضاد لتلك التيارات النهضوية السائدة، ولم يوفق، ولم يُعلن عن فشل تجربته!
وبعين الناقد الفاحص، وجهد الباحث الحصيف، قاد الباحث علي العميم رحلة تقصٍ دقيقة، عرض من خلالها وقائع وحقائق موثقة عن الدكتور عبدالله النفيسي مقدماً الدلائل على "تقلباته" من دون الوقوع في الاستهداف الشخصي، ومعتمداً على منهج علمي وتحليل رصين.

وفي السنوات الأخيرة، بلغ د.النفيسي حالة مستعصية من الغرام بوسائل التواصل الاجتماعي، حيث انخرط بسرد سيناريوهات أشبه بالحكواتي، تفتقر إلى الأطر العلمية، وتستند إلى التشويق المفرط عن التطورات السياسية حيناً، والتاريخ بعيون متحيزة أحياناً، لاسيما عند الحديث عن الأموات.
وأدركت، لكوني متخصصاً في الإعلام، أن الإعلام سلاح ذو حدين، لذا تعمدت أن لا أقع تحت تأثيره، أو أكون ضحية لأي من جوانبه، في حين بدا الدكتور عبدالله النفيسي استسلم لإغراءات سلاح الإعلام الجديد، وانجرف في ولع إبهار الناس البسطاء!

الإعلام الجديد يعد من النوافذ المهمة في عالم اليوم، لكنه قد يؤدي إلى تقليل وزن المعرفة وثقل الثقافة، خاصة حين يتحول شغف "الحكواتية" إلى موال طويل، يسبق أغنية قصيرة جداً، لكنه يمشي مع أي لحن حتى لو لم يكن طربياً!
فمنصات التواصل الاجتماعي تركز على زيادة عدد المتابعين، وكثافة الإعلانات، والانتشار بين الجمهور البسيط، وليس قيادة التثقيف، والنقاش العلمي، والفكري الحصيف، أو التوثيق الرصين، لذا فإن التركيز على التبلد الفكري وطيش الكلام غالباً ما يكونان أسهل طريق للإبهار!

إن الوقوع في الانبهار عن الإيمان، والجدل الفكري حول الأديان، لابد أن يقود في كثير من الحالات، إلى الولع بالإبهار الإعلامي، وخصوصا في عمر متقدم كما هو حال الدكتور النفيسي، وهو ما يدعو إلى المراجعة تفادياً للتورط بالمزيد من "التقلبات"!
*إعلامي كويتي


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.