ليس من الشر في شيء أن نُحكم التنظيم، وأن نُتقن الإجراء، وأن نزن كل خطوة بمكيال الدقة والانضباط.
ولكنَّ الشر كل الشر أن تتحول الوسائل إلى غايات، وأن يُقدّس الشكل حتى يُنسى المضمون، وأن يصبح الإجراء قانوناً أعلى من الفكرة، والأنموذج أشد حضوراً من الإنسان نفسه.
ذلك هو ما يمكن تسميته بهيمنة الإجراء على الغاية The Domination of Procedure over Purpose؛ فحين ينشغل التعليم - مثلاً - بعدد الحصص وساعات التدريب ونماذج التقويم، أكثر من انشغاله بماذا تعلّم الطالب؟ وماذا تغيّر في وعيه؟ وكيف أصبح يرى نفسه والعالم من حوله؟
نضع الخطط، ونجتهد في صياغة الأطر المرجعية، ونقيس الأداء بالبند والبند المقابل له، حتى يغيب عنا السؤال الأكبر: ما الذي نريد أن نبنيه في هذا الإنسان؟
ليست الإشكالية في الإجراءات ذاتها، فهي ضرورية، ولكن في تحوّلها إلى غاية في ذاتها، تحكمنا وتقيدنا، وتصبح دليل الجودة الوحيد، ولو خلت من الأثر الحقيقي.
وحين تسود هذه الذهنية، تصبح المؤسسة التعليمية كياناً إدارياً أكثر منها بيئة إنسانية.
ويتحول التربوي إلى منفذ محترف، لا مربياً مفكراً.
والأخطر من ذلك كله، أن الغاية تبدأ بالتلاشي في صمت؛ لأنها لا تصرخ مثل الوثائق، ولا تُقاس مثل الأرقام.
فالواجب، كل الواجب، أن نُعيد ترتيب العلاقة بين الإجراء والغاية، لا بإلغاء الأول، وإنما بإخضاعه للثاني.
فالوسيلة التي لا تقود إلى هدف... ستقود إلى تكرار لا يُثمر، وإن بدا مُتقناً.