: آخر تحديث

قواعد الاشتباك في الشرق الأوسط ومسارات التفاوض

5
5
3

رسخت تداعيات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) حقائق متعددة الأبعاد السياسية والعسكرية في الشرق الأوسط والأقاليم المجاورة له، تحت عنوان كبير: أن ما أمسى.. ليس كما أضحى.  

استطاعت إسرائيل المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الديمقراطية السابقة، وإدارتها الجمهورية (الترامبية) الحالية فرض معادلات جديدة للاشتباك تتجاوز واقع أذرع وأدوات المحور الفلك الإيراني الذي كان يسعى لإبقاء توازن القوة أوهمت شعوب المنطقة أنها قادرة على تحقيقه.

نتائج الصراع لم تتجاوز فقط قواعد الاشتباك بنسف أساسها القائم قبل السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، بل نسفت أيضاً قواعد التفاوض التي كانت سائدة دون تغيير.  

المنطقة أمام خارطة جديدة؛ الجنوب السوري واللبناني وقطاع غزة، باتت جميعها مناطق ذات حدود مستحدثة.  

في الجولان، بعد اعتراف أميركي بأنه إسرائيلي، وبعد تصريح الرئيس دونالد ترامب إبان حملته الانتخابية بأن إسرائيل صغيرة المساحة، وبعد التوغل المقصود من قوات الكيان التي تمركزت على تخوم العاصمة دمشق المحكومة من قبل نظام أحمد الشرع الضعيف واللاهث وراء تثبيت أركان حكمه.  

إقرأ أيضاً: مأزق السياسة القطرية في الشرق الأوسط

فأيّ عملية سلام أو تطبيع للعلاقات بين دمشق وتل أبيب ستتجاوز بحكم التفاوض فرضية الانسحاب أو العودة إلى ما نصت عليه اتفاقية فض الاشتباك الموقعة عام 1974 بخطيها "ألفا" و"برافو"، ليكن بقاء إسرائيل في غرب الجنوب السوري بخطوط جديدة مرسومة تضمنها بها إسرائيل انسحاباً سورياً من خلال إنشاء مناطق عازلة جديدة.  

ليبقى السؤال المشروع: هل يستطيع نظام أحمد الشرع المعتمد على تركيا كبوابة عبور نحو المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية، إنتاج مقاربة تعيد المفاوضات إلى مربعها الأول على مبدأ "الأرض مقابل السلام" المستند إلى قرارات مجلس الأمن 242 و338 و425، بالانسحاب من جميع الأراضي السورية التي احتلت في العام 1967، فضلاً عن تعريف واضح لحدود شواطئ بحيرة طبريا الشمالية الشرقية؟

إقرأ أيضاً: تجميد المقاومة المسلحة الفلسطينية

بعيداً عن التعقيد في الشأن السوري، فالشأن اللبناني أقل إشكالاً، بفضل ترسيم الحدود البحرية بين بيروت وتل أبيب الذي جرى قبل السابع من أكتوبر، وثقل تدخل دول وازنة في المجتمع الدولي تريد استقرار لبنان وانسلاخه عن الفلك الإيراني، وهي مصلحة إسرائيلية اليوم بإنجاح مقومات عهده الجديد برئاسة الرئيسين جوزاف عون ونواف سلام الذاهبين نحو محو آثار حقبة حزب الله، التي عاثت في الدولة اللبنانية، وخطفت قراراتها في السلم والحرب لصالح الأطماع الإيرانية في المنطقة.

أمَّا في الشأن الفلسطيني؛ فواقعه بات بحاجة إلى معجزة سياسية مؤلفة من عدة مقاربات ورؤى تجتمع بها أطراف عربية ودولية لإيجاد مسار يعيد تثبيت حل الدولتين، وهو ما تنبهت إليه المملكة العربية السعودية مبكراً، فشكلت جبهة دولية موحدة لإقامة الدولة الفلسطينية تتيح الاستقرار للمنطقة برمتها من خلال ربط مصالح الشرق الأوسط مع الولايات المتحدة التي يستطيع رئيسها اليوم التأثير وفرض حلول على حكومة تل أبيب اليمينية برئاسة بنيامين نتنياهو.

سابقاً.. كتبت أن الصراع في الشرق الأوسط انتهى بطابعه العسكري بين المحور الإيراني وعواصم نفوذه ودولة الاحتلال الإسرائيلي، حيث أصبح صراع رؤى ومقاربات سياسية تفرض قواعد تفاوض مستحدثة بناءً على جملة المعادلات التي أعادت دائرة المفاوضات بين إدارة الرئيس دونالد ترامب والنظام الإيراني، الساعيين لإنتاج تهدئة في ملف الصراع كمصلحة يراها الرئيس ترامب في وقت حرج في ظل حرب تجارية بدأها مع دول العالم أجمع، وفي المقابل يرى النظام الإيراني في المفاوضات المباشرة فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب أوراقه، خاصة في ما يتعلق بالشأن الداخلي لاستقراره أمام شارع تظهر فيه مؤشرات الغليان يوماً بعد الآخر.

إقرأ أيضاً: الشعب الفلسطيني لا يريد حماس

المطلوب من العرب إعادة قراءة ما جرى خلال الفترة الماضية، بالدعوة نحو مؤتمر دولي على غرار مؤتمر مدريد في العام 1991، لإحياء عملية سلام جدية من خلال مفاوضات تربط مسارات متعددة تنخرط بها الدول العربية مع الإدارة الأميركية الحالية، تُلزم إسرائيل من خلالها بالتخلي عن سياساتها وأحلامها التوسعية مقابل تحقيق تنمية شاملة لمنطقة الشرق الأوسط؛ كصفقة حقيقية يرغب الرئيس دونالد ترامب بالوصول إليها لتتويجه كرجل السلام الأول في العالم، تضمن تفوقه على الرئيس الأسبق باراك أوباما.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.