ثمّة قضايا لا تقبل المساومة، ولا يصحّ أن تُقزَّم إلى شعارات عابرة أو حملات موسمية، وعلى رأسها تأتي المسألة البيئية، بما تحمله من تعقيد فلسفي، وتشابك اجتماعي، ومصير وجودي جامع.
في ظل ما يشهده العالم من تحوّلات مناخية متسارعة، لم يعد الوعي البيئي رفاهًا معرفيًا أو ترفًا مدنيًا، حيث تحوّل إلى شرط ضروري لضمان الحد الأدنى من التوازن بين الإنسان ومحيطه الحيوي. وحين نُبادر – كما تفعل وزارة البيئة والمياه والزراعة من خلال "أسبوع البيئة" – إلى ترسيخ ثقافة بيئية مجتمعية، فنحن لا نخدم الأرض بقدر ما نحمي مستقبلنا فوقها.
لطالما وقعت القضايا البيئية في فخ الموسمية والرمزية، تارةً كصدى ليوم عالمي، وتارةً كاستجابة لموجة إعلامية أو كارثة بيئية طارئة. غير أن التحدي الحقيقي يكمن في تجاوز هذه المحدودية، وإعادة صياغة علاقتنا بالبيئة ضمن نسق حياتي شامل، تتداخل فيه التربية والتعليم والتشريع والسلوك العام.
إنَّ ما تدعو إليه فعاليات أسبوع البيئة – من نشر للوعي وتعزيز للممارسات الصحيحة – ليس مجرد عناوين دعائية، وإنما هو بمثابة بيان تأسيسي لعقد اجتماعي جديد بين الإنسان وبيئته، عقدٍ قوامه المسؤولية التشاركية، ومضمونه الاستدامة الأخلاقية.
ومن الواضح أن حماية البيئة لا يمكن أن تُناط بجهة حكومية واحدة، ولا أن تُختزل في مبادرات تقنية فحسب، مهما بلغت من تطوّر. إنها مسؤولية تتوزع على جميع مفاصل المجتمع:
الفرد كمستهلك وفاعل أخلاقي؛
المؤسسات كمحرك للسياسات والقرارات؛
الدولة كإطار ضابط يملك السلطة والقدرة على إحداث التحوّل البنيوي المطلوب.
إنَّ أحد أخطر تجليات ضعف الوعي البيئي في مجتمعاتنا هو اختزال العلاقة مع الطبيعة في بُعد نفعي صرف، يغيب عنه الإدراك القيمي والروحي، وتغيب عنه العدالة بين الأجيال. وهو ما يستدعي استنهاضًا معرفيًا وثقافيًا يتجاوز الإجراءات، ليعيد صياغة الوعي ذاته.
لعلنا بحاجة إلى إدماج البيئة بوصفها قضية معرفية في المنهج التربوي، وقضية جمالية في خطابنا الفني، وقضية سيادية في رؤانا التنموية. فالوعي البيئي الحقيقي لا يتجلى في اقتناء منتجات "خضراء" بقدر ما يتجلى في تحوّل عميق في نمط العيش وموقف الإنسان من العالم.
وما لم يتحوّل الوعي البيئي إلى نسق داخلي يحكم اختياراتنا اليومية، فستبقى كل المبادرات – على أهميتها – مجرّد محاولات إسعافية لا تلبث أن تخفت.
إننا لا ننقذ الأرض حين نمارس السلوك البيئي السليم، بل ننقذ أنفسنا من مستقبل باهت، محكوم بندرة الموارد واختناق الهواء وتشوه المكان.
وإذا كان لكل جيل قضية يؤمن بها ويخوض من أجلها معركته الحضارية، فإن قضية هذا الجيل – بلا شك – هي البيئة.
فلتكن البيئة ثقافة، لا حملة.
وعيًا أصيلاً، لا موقفًا طارئًا.
التزامًا فرديًا وجماعيًا، لا مجرد واجب وظيفي.