تكاليف مليارية باهظة دفعتها إيران إلى حزب الله في لبنان، وكذلك إلى سوريا خلال حكم الأسدين، والحوثيين في اليمن وحماس وغيرها. وفي حساب استراتيجية القوة وفق المنظور الجيوبولتيكي الإيراني، فإنَّ تلك التكاليف تُعد جزءًا مهمًا من سياسة قوة إيران الخارجية، وأذرعها العسكرية الهجومية التي أزعجت إسرائيل وأميركا ومن يعاديها لسنوات طويلة، حتى تطورت الأمور وقواعد الاشتباك وقوة خصومها، وآلت إلى ما هي عليه الآن من تفاوض على السلاح النووي.
خسارة حزب الله في لبنان، وحماس في غزة، وكذلك سوريا، وانحسار قوة أنصار الله في اليمن، وهم في الطريق لخسارة نفوذهم هناك، تلك الخسائر تعني خسائر التكاليف المليارية التي أنفقتها إيران على مشروع تمتين قوتها وهيمنتها على إقليم الشرق الأوسط، وتحديدًا الهيمنة على القرار السياسي والتموضع العسكري، ما جعل دولة صناعية - زراعية - بترولية مثل إيران تشكو أزمات اقتصادية خانقة، وتراجعًا خطيرًا في معدلات النمو والمستوى المعيشي العام، الذي ولّد في أرجاء إيران معارضات متعددة.
وإذا كانت تكاليف قوة أذرع إيران الخارجية تمثل هامشًا لا يُستهان به من مواردها المالية والبشرية، فإن مشروع البرنامج النووي الذي بدأت بتفعيله منذ ثلاثين سنة، وتوزع على عدد من المفاعلات النووية، فقد استدعى العمل وتصاعد وتائره أموالًا كبيرة جدًا، وربما تفوق بعدة مرات مجموع ما أنفقته إيران على مشاريعها الخارجية.
إقرأ أيضاً: مؤخرة دونالد ترامب!
لقد أدركت إيران وبوقت مبكر، وفي السنوات الأخيرة لحكم الشاه محمد رضا بهلوي، أي قبل مجيء النظام الإسلامي، أهمية أن تكون لها مفاعلات نووية لأغراض سلمية وأخرى عسكرية. وقد تضاعفت أهمية وجود سلاح ردع نووي إيراني بعد نهاية الحرب العراقية - الإيرانية، لا سيما وأن جوارها الجغرافي مثل روسيا وباكستان يمتلكان سلاحًا نوويًا.
امتلاك إيران لسلاح ردع نووي إيراني بقدر ما يمثل حلمًا لإيران، فإنه يثير مخاوف إسرائيل، وكذلك قلق دول الجوار الإيراني، وتحديدًا الدول العربية، بعدما وجدوا في هيمنتها وتمددها منهجًا ثابتًا في سياستها الخارجية!
مفاوضات الملف النووي بين أميركا وإيران بعد اللقاء الأول بين الطرفين في مسقط، أصبحت حديث الأروقة السياسية والإعلامية في دول العالم، وجميعها تتمحور حول السؤال التالي: هل تتنازل إيران عن معدلات التخصيب العالية التي بلغتها خلال السنوات الثماني الأخيرة والتي تزيد على 60 بالمئة، وتوافق على الالتزام بالنسبة التي حددتها دول الـ5+1 والبالغة 3.67 بالمئة، أم لا تلتزم؟
وفي حالة عدم موافقتها على ذلك، هل تُوجَّه لها ضربة عسكرية تستهدف تدمير مفاعلاتها النووية؟
إقرأ أيضاً: إيران: هل تخضع للشروط الأميركية وتنزع أسلحتها؟
هذه الأسئلة، وما يحيط بها من تداعيات، ستكون موضع اهتمام ومتابعة الدوائر السياسية والإعلامية والرأي العام في أجزاء عديدة من العالم ودول الشرق الأوسط والخليج العربي، ويبقى السؤال الأهم يتردد في الداخل الإيراني: هل يستحق مشروع القوة العسكرية الإيرانية، تسخير قدرات وموارد إيران المادية والبشرية لأربعين سنة، ثم ينتهي إلى لا شيء؟!