: آخر تحديث

الشاشة الفضية في ظل الانفتاح الإعلامي

44
41
34

 ما تبثّه القنوات الفضائية العربية في ظل الانفتاح الإعلامي اليوم التي يصل عددها إلى أكثر من 170 قناة عامة وخاصة، صار مخجلاً ومثيراً للجدل، وأكثر ما يهدف إلى تمييع العادات العربية الأصيلة وتخريب عقول أبنائنا الصغار والتي نجد أنها أصبحت في تراخي وتهاون، وتلاقي التذمّر من قبل المشاهد العربي، على وجه التحقيق، ولم يعد الحفاظ على العادات والتقاليد يلقى أي اهتمام من قبل المسؤولين عن تلك القنوات الفضائيات، هذا إذا ما علمنا أن عدد تلك القنوات الفضائية في القرن الماضي لم تتجاوز الثلاثين قناة. وهذا التوسع في عددها اليوم تجاوز 152 قناة درامية، و124 قناة تختص بالغناء، و68 قناة إخبارية، فضلاً عن القنوات الرياضية والفنية والدينية، والقنوات الفضائية الأجنبية الأخرى والتي تصل إلى أرقام فلكية. وهذه تحمل في أغلبها مضامين لم تعد تهمّ المواطن العربي، أو تلقي الضوء على همومه ومعاناته.
إنَّ الإنفتاح الإعلامي في العالم العربي، وتعزيز مساحات الحرية بصورةٍ أكثر ما هي عليه اليوم، بات يشهدُ قفزةً كبيرةً نحو تطوير الإعلام ككل، بدلاً من تهميشه، من قبل الجهات المعنية، صاحبة القرار، ما يعني أنَّ هناك بعض الأنظمة تحاولُ عرقلةَ أيِّ خطوة تنويرية من قبل بعض الفضائيات التي تعمل على إحداث نقلة نوعية في مسار الإعلام، وبصورةٍ خاصة محطّات التلفزة الخبرية!.
والمؤسف له، أنَّ القائمين على الإعلام في بعض البلاد العربية، لم يحاولوا يوماً الوقوف موقفاً حاسماً حيال ما يظهر في وسائلهم الإعلامية المرئية المقزّزة، الفاضحة، التي دعونا نقولها، بأنها (خرّبت) عقل ومزاج وسيكولوجية المشاهد العربي، وأساءت إليه بصورةٍ أو أخرى!.
إنَّ المشاهد العربي صار يقع في حيرةٍ من أمره وهو يدير مفتاح التلفاز لبعض محطات التلفزة العربية، حتى أنَّه بات يفاجأ بأنَّ الغالبية العظمى من هذه القنوات المرئية أخذت تدفع، وبكل ما لديها من إمكانيات مادية، من أجل تمييع العادات العربية الأصيلة وبترها، وإحلال بدلاً عنها الصور الخلاعية التي نراها اليوم!.
وفي الوقت الذي كان يجب فيه أن تكون هناك محاولات جادّة للإقلاع عنها، نجد أنَّ المسؤولين أنفسهم يؤكدون على استمراريتها، وبث صورها، وبكل ثقة في النفس، ما دام أنَّ الهدف منها الكسب المادي المجزي الذي طالما أظهر شرخاً واسعاً في مجتمعنا العربي الطيّب في نهاية الرحلة، وهذا لا يمكن أن نغفل عنه، بل يجب على بعض وزراء الإعلام العرب أن يكونوا أكثر درايةً، ومعرفةً بما يجري في هذا المحيط الدائر من ترهّل وفساد عقول الكثير من الشباب، الجيل الناشئ، الذي يمضي جُلَّ وقته وللأسف  متابعاً لهذه البرامج، التي تظهر بصور هزيلة، سمجة، وخجلة!.
وأمثال ذلك الكثير مما صرنا نشاهده، وبصورةٍ متكرّرة، ويومية، ما أصاب المشاهد العربي لمحطّات التلفزة في مقتل، ما دفع الكثير منهم من أن يقف مندهشاً حيال ما يعرض على الشاشة الفضية من مشاهد قبيحة، بحيث إننا صرّنا نقف عاجزين عن ضبطها، بما يتماشى وعقول أطفالنا، فلذات أكبادنا، وهذه بلا شك تحتاج إلى ضوابط، ومراقبة صارمة، بعيداً عن زيادة مداخيل تلك المحطّة أو غيرها على حساب تفسّخ وانحلال العقل العربي، والذي هو بالأصل بحاجة إلى ضوابط للإقلاع عن الكثير من الهواجس والصور التي انعكست سلباً على الواقع الذي نعيشه اليوم وبمؤسساته!
وبدلاً من أن نهتم بما يجري من حولنا من وضع اجتماعي متردٍ، والعمل على معالجته، تظل البعض من تلك محطات العربية، تمعن في نشر برامجها، التي عنونت الكثير من صور الغبن بحق المشاهد العربي!.
وفي هذا الإطار، يمكن أن نقول، إنه كان يجب فيه على هؤلاء المعنيين أن يكونوا ذوّاقين أكثر لهذه المشارب من المشاهد العربي، لا سيما أنهم يحاولون غرسها في وجدانه، وفي نفوس أبنائه، وهو الآخر لم يكتفِ أنَّه سوّقها، بل تمسّك بها وهلّل بالقادم الآتي، (مكرهٌ أخاك لا بطل)!.
إنَّ هذه المحطّات التلفزيونية المرئية، وعلى كثرتها وتنوّعها وعللها، باتت تُخفي حكايات العري والخلاعة، وسجلت ربحاً تجارياً بامتياز!، وما تركته من أحاديث تندّر سخيفة أساءت لمجتمعنا العربي، وأضافت إليه صورة من صور الفساد، والهبوط الهزيل الذي أساء كثيراً إلى ما يعرض على الشاشة الفضية من مشاهد ماسخة باتت بانتظار المعالجة الحاسمة.
هذا الواقع أساء للإعلام بصورته الحالية، وللقنوات المرئية بمجملها، ما أفقد المواطن العربي متابعة ما تبثه تلك القنوات على كثرتها وتنوعها، وهذا ما جعله يفتقد لمصداقيتها، ويبتعد صراحة عن مشاهدتها، وبالكاد متابعة البعض منها، والتي تهتم ببث الأخبار وحسن الاهتمام بها وتسليط الضوء عليها.
وإذا ما حاولنا أن نقرأ بعضها، وهذا ما دفع المواطن بالابتعاد عن القنوات الاخبارية، وغيرها  وتفضيله مشاهدة المسلسلات العربية القديمة، أو برامج الطبخ، وغير ذلك فإنها لم تعد تلبي رغبته وطموحه وحاجته، كما كانت عليها الشاشة وإدارتها من كسب ود المشاهد، أما اليوم فإن الاتجاه في هذا الاطار لم يعد يليق به، ما اضطره إلى اللجوء إلى متابعة  ما يبث عبر "الدشّ الفضائي"، أو النت واختيار المحطة التي تروق له، ومتابعة البرنامج الذي يطفئ بعض شهيته ورغبته.
ما عنيته، في هذا الطرح أنَّ الكثير من القنوات التلفزيونية العربية صارت تلجأ إلى بثّ برامج وأفلام، وحتى مسلسلات لم تعد تليق بالمشاهدين من الجنسين، ما انعكس سلباً على الأطفال الذين صاروا يقرأون الواقع ويحسّونه، الذين بإمكانهم اصطياد الأخطاء ووضع النقاط فوق الحروف، وهذا ما أفسد رغباتهم وشجّع البعض منهم على تجسيد ذلك الدور الذي يشاهدونه ويتابعه على الشاشة الفضية سواء أكان ذلك بغياب الأهل أو حتى بحضورهم، ولم يعد هناك من احترام أو حدود لوجود الأب أو الأم في ظل ما يُبثّ، كما عهدنا ذلك ونحن في سن صغيرة، من عدمه في هذا الوقت الذي نعيش. والمطلوب هو ضبط ما يُبث في هذه القنوات، وتلافي الصورالتي تسهم في تخريب عقول الأطفال، وحتى الشباب منهم الذين ركبوا الموجة، والخوف من الغرق فيها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في