مشاهدات:
تشارلز ادروم الطيار المتميز شاهد بنفسه هذه الأطباق الطائرة وقال أنها تشبه مستوعبات الزجاج تشع وهجا بعيد المدى وكثيرا ما كانت ترافق الطائرات الحربية لمراقبتها ثم تختفي فجأة بسرعة خيالية والمثير للأبحاث العلمية أن هذه الأجسام تظهر بكثافة نسبية فوق القواعد العسكرية وصوامع الصواريخ النووية البعيدة المدى أو إلى جانب الطائرات الحربية المتطورة.. مما أثار الشكوك لدى العلماء من احتمال وجود حضارة أخرى تفوق الحضارة الأرضية ويحاول سكانها التعرف على آخر ما توصلت إليه التكنولوجيا الأرضية
وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة ما زالت مدار بحث ودرس على أعلى المستويات في الدول المتطورة فإن وجودها أصبح حقيقة علمية ثابتة لا يمكن إنكارها لأن عشرات الأشخاص شاهدوها تحط على الأرض ثم تطير بسرعة لم يتوصل إليها سكان الأرض بعد وتصل إلى 30 ألف كم في الساعة.
وفي السادس من نيسان من عام 1948 شاهد عدد من الباحثين جسما غريبا يحوم فوق قاعدة عسكرية أميركية تضم أسلحة نووية متطورة فجأة توقفت كل وسائل الاتصال في منطقة تتجاوز مساحتها ألف كم مربع وبعد قليل هبط الطبق الطائر على تلة وترجل منه ثلاثة أشخاص يحملون أجهزة غريبة تشبه آلات تصوير الفيديو ثم لم يلبث الرواد الثلاثة أن صعدوا إلى مركبتهم وارتفعت عموديا بسرعة خمسة كيلومترات في الثانية.. هذا ما رواه شهود عيان ومن بينهم داني كيلي العامل في الإذاعة المحلية هناك وقد توقفت إذاعته طيلة مدة الهبوط.
وفي الرابع والعشرين من تموز من عام 1950 شاهد أحد الطيارين المدنيين فوق فرانكفورت وهجا أحمر يمر إلى جانب طائرته كاد أن يصطدم بها ولكنه انحرف في آخر لحظة بسرعة جنونية واختفى عن الأنظار خلال ثوان. وأكد يومها هذه الحادثة طياران آخران كانا في المجال الجوي ذاته وتطابق وصف الطيارين بأن الجسم الغريب يصل طوله إلى نحو ستة أمتار وفي مقدمته ما يشبه هوائي الرادار وله نوافذ على الجانبين تشع منها الأنوار.
ولكن أطرف حادثة عن هذه الأجسام الغريبة حصلت عام 1950 فوق قاعدة عسكرية نووية متطورة تقع في ولاية نيو مكسيكو جنوب الولايات المتحدة ويؤكد عدد من المسؤولين عن القاعدة أنهم شاهدوا فجأة جسما غريبا دائري الشكل يرسو ببطء على بعد 25 متر من القاعدة العسكرية يصل ارتفاع هذا الطبق إلى ستة أمتار وقطره ثمانية أمتار وينبعث منه وهج بنفسجي اللون، وتوقفت فجأة كل وسائل الاتصال في المنطقة وسمع عدد من المهندسين أصواتا غريبة غير مألوفة كأنها نوع من اللغة التعبيرية تنقل وصفا عن القاعدة العسكرية.
استنفار الأجهزة:
بعد مرور بضعة دقائق من الذهول المطبق ارتفع الجسم الغريب عموديا وبعد مراقبته بتلسكوب متطور تبين أنه التحم بمركبة فضائية أخرى كانت في انتظاره يعتقد أنها المكبة الأم، وإن كانت ظاهرة وجود أجسام غريبة من خارج الأرض تحاول التعرف عن كثب على مستوى الحضارة الأرضية أصبحت حقيقة لا تقبل الجدل العلمي فإن ما يدعو إلى التساؤل هو مركز وجود هذه الحضارات التي تتابع الإنجازات الأرضية المتطورة وخصوصا في المجال العسكري والنووي بالدرجة الأولى لأن معظم هذه الأطباق الطائرة تحوم فوق صوامع الصواريخ وأثناء التجارب النووية لجمع المعلومات الدقيقة.
وفي 23 تشرين الأول من عام 1975 سجلت الرادارات اليابانية وجود عدد من الأجسام الغريبة ظن الخبراء في البداية أنها طائرات حربية تجري مناورات، ولكن تبين فيما بعد بأن هذه الأجسام التي هي على شكل اسطوانات قطر الواحدة نحو ستة أمتار هي من خارج الأرض وتستطيع تغيير مسارها بسرعة كبيرة جدا مما يدل على أن محركاتها مختلفة عن المحركات المعروفة والمستخدمة في المركبات الأرضية.
في النصف الثاني من القرن العشرين برزت أنواع جديدة من المشاهدات دخل فيها عنصر جديد وهو الالتقاء المباشر بين رواد هذه الأجسام وبين البشر سواء عن طريق الإقناع أو الاختطاف وقد وصلت شهرة إحدى هذه الحوادث إلى حد أن بطلها جورج أدامسكي الذي التقى مباشرة مع مخلوقات فضائبة كلمته وححملته رسائل واشتهر شهرة عالمية واسعة إثر ذلك، حيث دعي رسميا لمقابلة البابا وملكة هولندا وغيرهما وقام برحلة حول العالم لإلقاء محاضرات حول تجربته والتي ثبتها في مجموعة من الكتب. كان جورج أدامسكي، البولوني الأصل والأمريكي الجنسية، يعيش في كاليفورنيا عندما التقى لأول مرة برائد فضاء من كوكب الزهرة، وقد حدث ذلك في يوم 20 تشرين الثاني عام 1952 عندما خرج هو و ستة من أصدقائه الذين تجمعهم هواية مراقبة السماء بالتلسكوبات إلى صحراء كاليفورنيا لغرض رصد طبق طائر شوهد قبل ذلك بأيام وبصورة متكررة يوميا في أجواء المنطقة. ويقول ادامسكي في كتابه “هبطت الأطباق الطائرة” أنه أحس إحساسا غريبا بأنه هو المطلوب بالذات لمقابلة رواد هذا الطبق من بين أصدقائه فطلب منهم أن يتركوه وحيدا لفترة، وبالفعل شاهد الأصدقاء الستة من على بعد المركبة تهبط بالقرب من أدامسكي وينزل منها شخص يرتدي حلة رواد الفضاء، ويقول أدامسكي الذي كانت وسيلة اتصاله بالزائر الغريب عن طريق التلباثي télépathie(لتخاطر)، أن الرجل الذي كان يشبه سكان الأرض إلى حد التطابق أخبره أنه قادم من كوكب الزهرة بعد أن لاحظ أهلها تفجيرات ذرية على سطح الأرض (كانت قنبلة هيروشيما وناغازاكي قد فجرتا قبل ذلك بسبع سنوات) وأن على أدامسكي مهمة إرسال هذه الرسالة إلى سكان الأرض كي يتجهوا إلى السلام بدل الحرب. بقيت مشاهدات أدامسكي والتقائه برائد الفضاء من كوكب الزهرة مثار جدل كبير لا يزال قائما حتى بعد وفاة الرجل عام 1965 فبينما يعتبره البعض أكبر دجال ظهر في التاريخ خاصة بعد اكتشاف أن سطح كوكب الزهرة ملتهب ومليء بالغازات الخانقة مما لا يشجع رائد فضاء كالذي وصفه أدامسكي على العيش فيه، يعتقد البعض الآخر أن تجربة أدامسكي صحيحة وحقيقية لأنها أولا حدثت أمام ستة شهود ولأن أدامسكي استطاع عدة مرات من تصوير المركبة الفضائية وهناك سبب آخر حير المهتمين بالموضوع فترة طويلة فقد ادعى أدامسكي أن رواد الفضاء أخذوه معهم في إحدى المرات في زيارة إلى كوكبهم، وأنه عندما اخترق الحزام الجوي الأرضي رأى منظرا بديعا يتألف من بلايين الجزيئات الضوئية المحيطة بالمركبة والتي تشبه في شكلها الذبابات المضيئة، وقد ذكره المنظر بساحة العاب نارية هائلة. وكانت المفاجأة أن رائد الفضاء الأمريكي جون غلين، أكد هذه الملاحظة بنفس التفاصيل خلال تحليقه في أول رحلة فضاء مأهولة عام 1962 أي بعد رحلة أدامسكي المزعومة بسبع سنوات! فهل كان أدامسكي صادقا في ادعاءاته؟
المحطة الأخيرة:
19: في 10 نيسان من سنة 1952 كانت شابة فرنسية تدعى روز تبلغ من العمر 24 عاماً وهي مطلقة ولديها طفلة صغيرة وتعيش مع والدها في بيتهم الريفي في أحد ضواحي مدينة نيمس Nimes. عاشت هذه المرأة البسيطة تجربة غريبة وفريدة من نوعها وتختلف عن كل التجارب في هذا المجال، أي الاتصال بمخلوقات فضائية extraterrestres، وقد أبقت الأمر مكتوماً وسراً لا يعرفه أحد عدا أشخاص قليلين من المقربين منها مثل والدها لسنوات طويلةً ثم قررت نشرها في كتاب ممتع تشع منه البساطة والعفوية والصدق إلى حد السذاجة. وعندما جئت إلى فرنسا في بداية سبعينات القرن الماضي سمعت بقصتها وقرأت الكتاب الذي صدر عام 1975، وسعيت للتعرف بها في سنة 1979. وسألت بعض الأصدقاء القريبين منها وجيرانها عنها وأكدوا لي جميعاً أنها إمرأة بلا عقد ولا تسعى للشهرة أو الإستفادة من قصتها لا مادياً ولا إعلامياً. تبدأ قصتها عندما جاء أهل زوجها لأخذ إبنتها معهم في عطلة في الخامس من نيسان 1952، وبقيت هي وحدها مع والدها الذي اقترح عليها الذهاب إلى بيتهم الصغير المؤلف من غرفة واحدة وزاوية مطبخ، وهو بناء شبه مهجور ويعتبر بمثابة الإستراحة الريفية mazets، و الموجودة في ضيعة نائية، ولكن يمكن الوصول إليها بواسطة الدراجة الهوائية لأن وسائل النقل العامة مفقودة آنذاك. وذلك لجلب بعض المواد المخزونة هناك لصنع فراش جديد للطفلة، ويوجد بجنب ذلك الكوخ في الحديقة كوخ خشبي آخر أصغر petit mazet لخزن المواد والأمتعة والأثاثات المستخدمة و الزائدة. وبعد مسيرة نهار على دراجتها الهوائية بصحبة كلبيها الحميمين وصلت إلى الاستراحة الريفية الــ mazets، التي وصفتها بدقة وشاعرية ومعها كل مايحيط بها في كتابها المعنون " لقاء بمخلوقات فضائية rencontre avec les extraterrestres، وبعد أن وصلت دخلت إلى الاستراحة وجلبت الماء لها ولكلبيها لتغتسل وتشرب ومن ثم أعدت الطعام لها ولكلبيها وكان الطعام لا يتجاوز بعض الشطائر. وأثناء تناول الكلاب للطعام قررت أن تقوم بجولة في الكوخ الخشبي الملحق بالإستراحة petit mazet، وبيدها مجلة للأزياء والموضة، اشترتها قبل مغادرتها لتتسلى بها، دخلت إلى الكوخ المليء بالغبار وخيوط العنكبوت وغائط الفئران، كأي مسكن مهجور منذ مدة طويلة. وفي الداخل بعض الكراسي وخزانة خشبية قديمة وفراش قديم مغلف بغطاء بلاستيكي للمحافظة عليه والذي كانت تريد أن تستعيد حشوته الصوفية، ولقد التحق بها الكلبان بعد الانتهاء من الأكل. كانت الخزانة مليئة بالفئران وفيها عدد من الكتب القديمة، ولقد استعادت في تلك اللحظة ذكريات طفولتها الجميلة التي عاشتها في هذا المكان وجولاتها هناك مع أطفال المنطقة عندما كانت ترافق والدها في تنقلاته. لا توجد نافذة في الكوخ الخشبي الملحق بالاستراحة ولم يجر عليه أي تغيير، وقبل مغادرتها تركت المجلة على طاولة قديمة في الكوخ ثم خرجت وأغلقت الباب بمفتاح وضعته تحت صخرة بالقرب من الباب الخشبي فلا فائدة من أخذه معها لأنها سوف تعود غداً لنفس المكان. كانت الساعة قد تجاوزت السادسة مساءاً فقررت تحضير سريرها للنوم حيث قررت البقاء يومين أو ثلاثة أيام بما فيها فترة الذهاب والإياب التي تستغرق ساعات طويلة على الدراجة الهوائية. وبعد برهة من الزمن استفاقت على وقع ضوضاء نباح كلبيها اللذين كانا مرعوبين من شيء مجهول، ويتحركان بعصبية يريدان الخروج من الإستراحة. أخذت مصباح اليد وأشعلته لترى ماذا يحدث في هذه الظلمة الحالكة، وفتحت باب الإستراحة فخرج الكليان بسرعة كالطلقة النارية باتجاه الكوخ الخشبي الصغير الملحق بالاستراحة. وفجأة توقف نباح الكلاب وساد الصمت من جديد. خرجت روز من الاستراحة واتجهت نحو الكوخ بخطى هادئة لكن قلبها كان يخفق بسرعة وتحاول أن تكتم أنفاسها وعدم التسبب بأية ضجة. كانت وحيدة ولا يوجد بقربها أو حولها جيران وبدون أية وسائل للدفاع عن نفسها. استعادت المفتاح الذي وضعته تحت الحجر وهي تفكر بأنه لايوجد ما يستحق أن يسرق في هذا الكوخ المهجور وزاد قلقها أكثر بعد اختفاء صوت الكلبين ونباحهما. ولجت إلى داخل الكوخ الخشبي وفجأت اشتعل ضوء ساطع كأن المكان مغمور بضوء النهار وقبل أن تستعيد روز قدرتها على الرؤية بسبب قوة الضوء والتحول المفاجيء من الظلمة إلى النور، سمعت صوتاً وديعاً يقول لها بلغة فرنسية سليمة: ماذا تفعلين هنا؟ فردت على الفور: وماذا تفعل أنت هنا، وعند النظر إلى مصدر الصوت رأت رجلاً بقامتها تقريباً أبيض اللون، يرتدي زياً داكناً ولم يبد منه أي تصرف عدواني تجاهها. فكررت عبارتها: ماهذا، أنت هنا في بيتي وتسألني ماذا أفعل هنا، أنا التي يجب أن اسلك ماذا تفعل هنا في بيتي في هذه الساعة المتأخرة من الليل؟ ومن أنت؟ وبعد سماع صوتها اقترب الكلبان منها، وفي هذه اللحظة شعرت بحركة وضوضاء عشب ورائحته من خلفها، فاستدارت وشعرت بحالة رعب لم تشهدها في حياتها قط من قبل. وقالت منتفضة: ياإلهي ماهذا؟ وكانت مصدومة مما رأته. كائن عملاق بالقرب منها مسكها بيده الضخمة من عنقها دون أن يضغط عليها بقوة ليخنقها ولم يؤلمها ثم تركها تهبط على الأرض وهو يردد كلمات بلغة لا تعرفها روز ولم تسمعها من قبل. فقال لها الرجل العادي بالفرنسية لا تخافي يقول هذا الشخص أنك ارتعبت وهو يأسف لذلك فلم يكن يقصد إرعابك وليس في نيتنا إيذاءك على الإطلاق فلا تخافي من شيء. وبالرغم من كلامه المطمئن كانت روز متخشبة من الخوف عاجزة عن الرد والكلام والحركة، وفي نفس اللحظة شعرت وسمعت ضوضاء وشمت أو استنشقت رائحة العشب الغريبة والممتعة بجنبها مرة أخرى وإذا بها ترى عملاقاً آخر وبدأ يتكلم مع نظيره ومع الرجل العادي بلغة مجهولة وغريبة ليست من اللغات المألوفة أو المعروفة بين الناس. كرر الرجل العادي بلفة فرنسية منمقة: لاتخشي منا فنحن مسالمون ونحتاج لمساعدتك. أصدقائي يقولون هل لديك بعض الكتب القديمة يمكنك إعطائها لنا؟ أي كتب كانت. فردت روز بكلمات مرتجفة بالكاد كانت تخرج من شفتيها: لدي بعض الكتب القديمة لكنها في حالة يرثى لها. فطلب منه الرجل العادي: هل تتفضلين علينا وتعطينا تلك الكتب؟ سوف تقدمين لنا خدمة كبيرة. فكرت مع نفسها لبرهة قصيرة، ما هي هذه الخدمة الهائلة التي سأقدمها بإعطائي كتب قديمة ممزقة نصفها مأكول من قبل الفئران وهي موجودة في الخزنة التي تعشش فيها الفئران؟ من هؤلاء الناس ومن أين جاءوا وماذا يفعلون هنا بحق السماء؟ هذه الأسئلة وغيرها تقاطرت على ذهنها في هذه اللحظة. ثم فاقت من تأملها الصامت عندما ألح الرجل العادي عليها بأخذ الكتب قالت إنها موجودة في الإستراحة المجاورة في الخزنة القديمة mazet. كانت قامة الرجل العادي مثلها بحدود متر و 72 سنتمتر أما العملاقين فقامتهما تقدر بحوالي 2 متر و 40 سنتمتر على الأقل. وبعد خطوات لمحت عملاقاً ثالث بنفس القامة أو أطول قليلاً يبدو أنه الزعيم للمجموعة حيث أسرع الكليان باتجاهه بمحبة وألفة وكأنهما يعرفانه منذ زمن بعيد وهو سيدهما وبدأ الكليان بتمريغ رأسيهما تحت قدميه وتحريك ذيلهما بسعادة للاحتفاء به. عند هذه اللحظة وبعد هذا المشهد، صرخت متسائلة: ولكن من أنتم بحق السماء؟ من أين أتيتم وكيف جئتم إلى هنا؟ موجهة أسئلتها للرجل العادي الذي يتكلم معها بلغتها الفرنسية.
رد عليها الرجل العادي بهدوء وهو يشير بإصبعه إلى السماء: جئنا من فوق، من أعلى، من هناك، من بعيد. رفعت نظرها إلى السماء حيث كان القمر مكتملاً في العاشر من أيلول من عام 1952. فقالت له بسذاجة: هل جئتم من القمر؟ أجاب الرجل العادي: كلا على الإطلاق، لقد جئنا من أبعد من ذلك بكثير. سألت روز بثقة هذه المرة: هل أتيتم من المريخ هل أنتم مريخيون؟ أجابها الرجل العادي: لا لم نأت من المريخ ولسنا مريخيين. وبدأ يترجم لرفاقه بلغتهم ما دار بيننا من حديث وهم يضحكون وكان صوت كبيرهم منخفض وأجش. كررت روز السؤال: كيف وصلتم إلى هنا؟ فرد عليها الرجل العادي:أنظري، وصوب مصباحه نحو زاوية من أرضية الحوش أو الحديقة الجرداء وإذا بها ترى شيئاً كبيراً مدور الشكل رمادي مطفي على شكل طاقية لا يستند على شيء ويرتفع عن الأرض بمتر واحد يبدو وكأنه يطفو فوق الأرض. وتساءلت روز مع نفسها كيف أمكن لهذا الشيء أن يهبط دون أن أسمع شيئاً أو أي صوت أو ضجيج؟ كرر الرجل العادي طلبه بأدب: اين الكتب من فضلك؟ فقالت له في داخل الاستراحة داخل الخزانة الخشبية. دخلوا جميعهم واحتك شعر أحدهم بخيوط العنكبوت. أغلق الرجل العادي الباب خلفهم فشعرت روز بقلق مفاجيء لا تعرف مصدره فشعر بها الرجل العادي وطمأنها: قلت لك لاتخافي لن يصيبك أي سوء منا وبفعل قوة الإنارة الصادر من المصباح اليدوي الذي وضعه الرجل العادي على الطاولة تمكنت روز من رؤية ملامح الأشخاص الغرباء العمالقة الثلاثة. كانوا ذوي سحنة سمراء تقرب للسواد ولكن ليس بملامح زنجية وليسوا ذوأنوف مسطحة كسكان أفريقيا، وكانوا شديدي السمرة.وشعرهم أسود ومجعد على نحو خفيف فهم أقرب إلى الهنود والباكستانيين منهم إلى الأفريقيين، وعندما كان أحدهم يزيل خيوط العنكبوت من شعر زميلة التفت روز للعملاق الثالث وكان يبدو أقل لياقة بدينة من الآخرين، كان يبدو وكأن على جبينه نبتة معدنية أو نصف دحلة ملونة براقة جذابة جداً وكان الفريق يرتدي زياً يشبه زي الرجال الضفادع الغواصين وفي القدمين ينتعلون أحذية غريبة كما لو إنها أعدت للخوض في الوحول أو المستنقعات وهي أقدام كبيرة بقياس يتجاوز الــ 60، وكان العملاق صاحب الدحلة في الجبين يضع على صدره علبة سوداء وفيها العديد من الأزرار من كل الأنواع والأشكال وكانت الآلة على مستوى المعدة وتبدو وكأنها راديو ترانزيستور. توجهت بالسؤال إلى الرجل العادي وقالت له: لماذا تتحدث الفرنسية؟ ولماذا أنت لست ضخماً مثلهم ؟ أجابها الرجل العادي: ببساطة لأنني فرنسي وأنا معهم منذ عشرين عاماً من السنوات الأرضية. لقد التقيت بهم في إحدى الليالي عندما كنت أتنزه في الطريق لوحدي ومن ثم رحلت معهم وعشت في عالمهم. قاطعته روز متسائلة: هل كنت طفلاً ؟ لأنك تبدو بعمر لا يتعدى الثلاثين عاماً ؟ هذا يعني أنهم أخذوك معهم وأنت في العاشرة من عمرك. وحسبت برأسها لو كان عمره خمسة وعشرون عاماً عندما أخذوه معهم وأمضى معهم 20 عاماً فيجب أن يكون عمره الآن 45 سنة في حين يبدو أنه بعمر يقل عن الثلاثين سنة. واصلت روز كلامها معه: مستحيل أن يكون عمرك 45 سنة ومظهرك يدل على أن عمرك اقل من ثلاثين سنة. رد عليها مبتسماً: أنت على حق ليس عمري خمسة واربعون عاماً فالزمن بالنسبة لنا على الأرض ليس نفس الزمن بالنسبة لهم والوقت الذي يمر على الأرض ليس هو نفس الوقت الذي يمر على كوكبهم. فسألته مقاطعة كلامه: عن ماذا تبحثون هنا؟ قال لها: أنظري إلى الكيس بيد أحدهم الملقى على الأرض، وعندما فتحه رأت بداخله أعشاب ونباتات وزهور وأغصان وأحجار. فبادرته متعجبة: وهل يستحق كل هذا مثل هذا العناء والرحلة الطويلة؟ أجابها الرجل العادي: نعم نحن نجمع كل شيء يقع تحت أيدينا من مختلف مناطق الكوكب الأرضي مما سيتيح لنا معرفة ودراسة النتائج الكارثية المترتبة على التفجيرات النووية في اليابان قبل سبعة أعوام من سنواتكم الأرضية. ردت عليه غاضبة: لسنا نحن الذين فجرنا في اليابان بل الأمريكيون. أجابها زعيم المجموعة الذي يحمل العلبة المعدنية على صدره: بالنسبة لنا انتم نفس الشيء جنس البشر هم المسؤولين عن ذلك، وقام الشخص العادي بترجمة كلامه. ثم أردف متسائلاً: اين الكتب؟ فتحت له روز الخزانة وهي تفكر بالفئران وربما كن قد أكلن نصف الكتب، وكانت محرجة مما قد يفكرون بشأنها، فقالت لهم أن لديها بيت جميل ونظيف ومنظم ومؤثث في مكان آخر، أما هنا فلا يعيش أحد غير الفئران والحشرات، قال لها الرجل العادي: الكتب هي المهمة بالنسبة لنا. أخرجت روز على عجل دون أن تزعج الفئران بعض الكتب والجرائد القديمة. قالت لهم بأنها سوف تقتل الفئران غداً، رغم أنها لم تفكر حقاً بالقيام بذلك. رد عليها زعيمهم بواسطة المترجم المرافق: لاتقتلي الفئران دعيها تعيش، عندها شعرت روز بأنها بأمان تام عند سماعها هذه الجملة، فردت عليه معلقة: لم أكن أنوي قتلها بل سأجلب لها الأكل والخبر القديم. فقال لها العملاق الزعيم: لا تطعميهم دعيهم يتدبرون أمرهم بأنفسهم فهم معتادون أن يكفوا نفسهم بأنفسهم فلو أطعمتيهم فسوف تجعليهم معتمدين عليك اتريكهم يتدبرون معيشتهم بأنفسهم حسب طبيعتهم. نفضت الغبار بنفخة من فمها عن أحد الكتب الضخمة وكان ذو غلاف جلدي أحمر وأسود وهو " الكونت مونت كريستو للألكسندر دوماس. وكتاب آخر أكلت الفئران بعض من صفحاته أو أطراف منها وهو كتاب البؤساء لفيكتور هيغو، ثم سأل كبيرهم،: هل يمكننا أخذ الجرائد ايضاً ؟ فلم تمانع روز،لكن الزعيم طلب أيضاً أن يأخذ كتالوغ الموضة الذي جلبته معها للتسلية؟ فقالت له هذا كاتالوغ الموضة نحن نلبس هكذا في هذه الأيام. وكان يبدو مهتماً بأي شيء يقع بين يديه. ثم التفتت إلى الرجل الفرنسي العادي وسألته: عندما ذهبت معهم قبل عشرون عاماً ألم تفكر بعائلتك وبقلقها عليك عندما تفتقدك ولا تعرف مصيرك؟ رد عليها بهدوء مهذب: ليس لدي عائلة أوأهل مقربين، كنت وحيداً لا أحد يقلق من أجلي فيما عدا تلاميذي ربما فلقد كنت معلماً. واصلت روز استجوابه: ألم تأسف أبداً على مغادرتك الأرض؟ فأجاب بلا تردد: هل تعلمين أننا نربح كل شيء بمغادرتنا هذه الأرض. ثم فاجأها قائلاً: ألا تريدين الذهاب معنا؟ فكرت على الفور مع نفسها بأبنتها الصغيرة وبوالدها وردت بحزم: كلا لا أرغب بذلك أريد البقاء هنا. عند ذلك سألها كبيرهم عبر المترجم: من هو الرجل العجوز والطفلة الصغيرة التي فكرتي بهما للتو؟ صعقت روز من هول ما اكتشفته لأنها لم تحدثهم أبداً عن طفلتها ووالدها. وفهمت أنه يقرأ أفكارها ويعرف ما تفكر به بصمت. فأجابت: الرجل الكبير العجوز ذو السبعين عاماً هو أبي والطفلة هي إبنتي ونعيش نحن الثلاثة على بعد بضعة كيلومترات من هنا. قائد المجموعة بادرها بسؤال مفاجيء: هل أنت بحاجة إليهم أم هم بحاجة لك؟ ردت بسرعة: هم بحاجة إلي فأبي أرمل وكبير في السن وأنا وحيدة لتربية إبنتي لأن والدها هجرني. كان الكلبان يجلسان عند قدمي الزعيم كبير المجموعة، لاحظت روز ذلك وسألت: يبدو أن أصدقائك يحبون الكلاب، هل لديكم كلاب هناك في كوكبهم أجابها الرجل العادي: كل ما يوجد عندكم على الأرض لديهم مثله في كوكبهم لأن أسلافهم القدماء هم الذين جلبوا معهم كل ما يوجد على الأرض ولكن الاختلاف هو بالأحجام فكل ما لديهم أكبر فالقطط عندهم بحجم النمور الصغيرة عندكم والأشجار عملاقة باسقة وحتى البشر ينحدرون منهم، ولكن مع مرور الزمن تقلص حجم الأحفاد على الأرض. كانت مهمة إعداد الأرض وتحضيرها لكي تستقبل كائنات حية تعيش فوقها ليس بالأمر السهر وكانت مهمة عسيرة للغاية، كان الأمر يستدعي زرعها وتنقية أجوائها وخلق غلاف جوي لحمايتها من الإشعاعات الشمسية المميتة وجلب الحيوانات والنباتات المختلفة، كانت مهمة شاقة وطويلة الأمد وبعد فترة طويلة من أقلمة الأرض وتحضيرها جلبنا البشر، ولم يكونوا بشر عاديين. فعلى الأرض عندما تعاقبون أشخاصاً مجرمين وأشرار وسراق لصوص أو قاطعي طرق ورجال عصابات وقتلة ومجرمين فأنتهم تضعونهم إما في السجون أو في أماكن خاصة ومعزولة للمحكومين، مجردين من حرياتهم ويعيشون على ما يقدمه دافعي الضرائب أما هم فقد وجدوا حلاً للمشكلة بإعداد كوكب كامل لنفي مجرميهم فيه وبذلك نقلوهم بعد أن جردوهم من جزء كبير من ذاكرتهم،ومعارفهم وتركوهم أحراراً يجولون في هذا الكوكب وسلموا لأنفسهم وبات مصيرهم بيدهم وعلى أنفسهم يعتمد بقائم وديمومتهم، وصاروا بشر بدائيين شبه متوحشين، وأنتم سكان الأرض الحاليين من نسل أولئك المجرمين المنفيين من كوكب العمالقة. كل ذلك لم يكن بالأمر الهين على روز لكي تستوعبه أو تصدقه، وواصل العملاق زععيم المجموعة حديثه عن استخدام الأرض كمنفى للمجرمين قائلاً: ولكن أصعب ما واجهه أسلافنا السابقين، هو ضرورة إيجاد قمر تابع للأرض من أجل الدورة البيئية الصحيحة اللازمة للأرض وكان عليهم العثور على القمر المناسب وجلبه ووضعه في مدار الأرض إذ إن التجربة الأولى فشلت عندما جلبوا شحنة من المحكومين لكنهم التقوا بعمالقة أكبر منهم بثلاث مرات ثم سقط القمر هاوياً على الكوكب واستغرق الأمر وقتاً طويلاً لعثور على التابع السيار الملائم للأرض أي القمر الحالي فلقد اكتشفوه في نظام شمسي آخر وجلبوه بتكنلوجيتهم المتقدمة ووضعوه في مدار الأرض كما نراه اليوم من الأرض. ثم أردف قائلاً: أعرف إنك مندهشة ويصعب عليك تصديق ذلك لكنني قلت لك الحقيقة. روز: وهل لديهم أقمار في كوكبهم ؟ الرجل العادي: نعم أكبر من قمر الأرض ثلاث مرات. روز: هل هناك كواكب أخرى مثل كوكبهم؟ الرجل العادي: نعم هناك كوكب البشر الصغار، ونحن نتاجر معهم كثيراً ولا أحد يتفوق عليهم في مجال التصغير أو النماذج المصغرة. وكل شيء عندهم صغير بما فيه القمر التابع لكوكبهم. أود أن أذكر لك شيئاً مهما يتعلق بسكان الأرض وأنا كنت واحداً منهم وأعرف عماذا أتكلم، وهو أنهم يهدرون الكثير من الوقت، عندما يرتادون المدارس ليتعلموا أشياء لا فائدة منها ويمضون أوقاتهم ينظرون نحو الماضي بدلا من النظر للمستقبل ويلقون نظرات إلى الوراء أعماها تقارير تاريخية خاطئة خادعة وكاذبة ومزيفة محاطة بغلالة من المثالية. فهم يحترمون ويقدسون شخصيات يعتقدون أنهم رجال مرموقين ومشهورين وأبطال وفاتحين، دون أن يعوا أن كل عملية غزو مجيدة ما هي إلا مذبحة ومقتل للأجساد البشرية التي تسبح في بحر من الدماء. امتعضت روز من هذا الخطاب السلبي وردت بحزم: علماً أن شارلمان ولويس الرابع عشر ونابليون قاموا بأعمال كبيرة. عقب عليها المواطن الفرنسي سابقاً أي الرجل العادي المترجم بينها وبين الرجال العمالقة: هذا ما يرويه لكم التاريخ لكن من المفيد أن تعرفوا ما كانت تفكر به الشعوب في تلك الحقبة. فإذا لم يغير ويزيف التاريخ الوقائع والحقائق، الذي يقدم المذابح على شكل ملاحم لا بد منها أو لا غنى عنها في حين كان يجب أن تقدم لكم على حقيقتها كونها أخطاء وخطايا يمكنك أخذ الدروس والعبر منها لكنكم مع الأسف تفقدون وقتاً ثميناً بميلكم نحو الماضي تاركين على جنب المشكلة الحقيقية ألا وهي المستقبل وكيفية الاستعداد له. أما بعد، لو كنتم تعرفون مدى جمال كوكبكم، بل هو أبهى وأجمل من الكثير من الكواكب التي نعرفها، لعرفتم كيف تحافظون عليه. عند هذه اللحظة اصطبغ صوته بنبرة من الحزن والرقة مع مسحة من التأسف والتعاسة والكآبة كما لو أنه شخص وضعاً هو غريب عنه تماماً. وشعرت روز في أعماقها أنه محقاً في كلامه. علقت روز باستسلام: قد تكون محقاً، اشعر أن مصير الأرض يهمهم كثيراً.رد الزعيم العملاق بعد أن سمع الترجمة: نعم فهو يهمنا بالنظر إلى أنه يمكن أن يشكل تهديداً لنا ونشعر بالمسؤولية لأننا نحن الذين صنعناه و لا نتمنى له مصيراً كارثياً لذلك نحن نعمل منذ أسابيع أرضية على جمع أشياء مختلفة ومن مختلف الأماكن والمواقع بل ودرسنا في كوكبكم كسوف تام للشمس قبل أسابيع من أسابيعكم الأرضية. شعرت روز أنها ضاعت بين مصطلحات لا تعرف معناها مثل أسابيع أرضية وسنوات أرضية وحرصهم على التأكيد على " أرضكم" كما لو إنه لم يكن جزء منها فهو يبدو كما لو إنه انتقل كلياً للطرف الآخر فهو لا يشعر أنه في بيته وعلى أرضه فبيته وأرضه هي هناك في الأعلى في كوكبهم مع الآخرين. لمح الرجل الفرنسي العادي مسحة الحزن والقنوط عند روز وأضاف قائلاً: كل إثني عشر ألف سنة من سنواتكم تتسببون بكارثة جائحة cataclysme بفعل تجاربكم الخطيرة وأنتم الآن تتجهون نحو كارثة كونية جديدة لو أستمريتم في هذا الطريق الخطير. وبسبب تجارب مشابهة، قبل 11357 سنة أرضية كانت هناك كارثة مخيفة ومهولة. تذكري جيداً هذا الرقم 11357 سنة. ردت روز غاضبة: إذا كنتم تعرفون أننا نتجه نحو كارثة محتمة فلماذا لا تتدخلون لمنع وقوعها؟ رد عليها المترجم الفرنسي بحزم قائلاً: في كل مرة تدخلوا فيها معتقدين أنهم يعملون خيراً لكم، انتهت جهودهم هباء. فجلب العلم لمن لايعرف قيمته الحقيقية يكون كمن جلب الوباء وأنتم قادرين على تدمير أنفسكم بأنفسكم بدوننا.
بادر كبير مجموعة الفضائيين العمالقة بأخذ يد السيدة روز بين يديه فشعرت أن قوة غريبة تجذبها إليه وأحست براحة كبيرة ولم تستطع أن تسحب يديها بل ولم تحاول ذلك، وركز نظرته على وجهها وفي أعماق عينيها فلم تستطع التهرب من نظراته حيث أدركت بعقلها الباطن بأن شيئاً ما اخترقها وأحدث انقلاباً جذرياً في كيانها، وفجأة غدت مغرمة بالأرض وما عليها بمياهها وجبالها وطبيعتها ونباتاتها وحيواناتها وببعض ناسها فكلما نطق بشي شعرت أنها عشقت ما يتحدث عنه هذا الكائن الغريب. وتدفقت الدموع من عينيها لاإرادياً فبادر العملاق إلى مسحها بإصبعه عن خديها فعرفت حينها أنها ستحبه إلى الأبد.
ثم وضع إحدى كفيه على رأسها وبالكف الأخرى تلاعب ببعض الأزرار في اللوح المعلق على صدره وكأنه يقدم لها هدية لا تقدر بثمن. وبعد برهة دخل أحد زملائه للإستراحة حاملاً الحجر الذي وضعت تحته روز المفتاح وطلب منها أن تركز نظرها على الحجر وقام ببضعة عمليات على أزرار العلبة المعلقة في صدره وفجأة اختفى الحجر عن الأنظار بعملية سحرية قام الآخر بفتح الباب فنظرت روز إلى الخارج وإذا بالحجر موجود في مكان في مدخل الإستراحة قرب الباب ونصحها المعلم الفرنسي المترجم والمرافق للمجموعة الفضائية ألا تلمسه على الفور وقال لها ليس في الأمر معجزة أو حيلة سحرية بل هو العلم وهذه العملية سوف تعرفونها وتصبح مألوفة عندكم بعد بضعة عقود وإسمها التليبورتيشن téléportation، أي الانتقال الفوري لجسم من مكان إلى آخر. وقام أحدهم بنفس العملية لكن بدلاً من الحجر انتقل هو من داخل الاستراحة إلى خارجها عبر الجدار وليس من خلال الباب، وقام بنفس الشيء مع الكلبين اللذين كانا في الداخل وفجأة أصبحا خارج الاستراحة. وقبل أن يغادروا المكان طلب المعلم الفرنسي والمترجم أي الرجل العادي من روز بعض النقود من مختلف الفئات النقدية ووعد بأنه سيرجعها لها في أقرب فرصة فلو عادت في العام القادم فسوف تجد نقودها كما هي في الاستراحة. وفي الخارج رأت الحجر الذي يزن أكثر من خمسين كيلو يطفو في الهواء وكأنه ريشة، وأشار المترجم الفرنسي إلى العلبة كمصدر لتفسير كل هذه العمليات المذهلة بالنسبة لروز وعندما أعيد الحجر إلى مكانه حاولت روز زحزحته فلم تتمكن لأنه ثقيل جداً فقال لها المترجم أن أصدقائه يمكنهم السيطرة على الجاذبية. ثم قاموا بتوديعها وركبوا في مركبتهم الدائرية التي تشبه القبعة وغادروا المكان بأسرع من لمح البصر.
خفايا لم تظهر للعلن بعد
حلم اليقظة ويقظة الحلم وتداخل الوقائع والمخيلة بعيداً عن العلم وقوانينه وقيوده، إنها الحقيقة الخافية التي لا يعرفها أحد و لا يعترف بحقيقتها أحد والحال إنها الحقيقة ووجهتها الظاهر للعيان هو الواقع الذي نعيش فيها كما تريده المصفوفة الآلية التي تديره وتحركه وتوهمنا بحقيقته.
كان صباحاً بارداً ليوم من أيام الأسبوع الرتيبة، يشبه باقي الأيام ولا يميزه عنها شيئاً سوى حالة الخمول التي تلف الجميع، إنه يوم الأحد حيث العطلة الأسبوعية وكآبة المحيط الخارجي ورداءة الطقس، التي دفعت الكثيرين للبقاء منكفئين في بيوتهم يشاهدون برامج التلفزيون المملة حتى وإن كانت متدنية وسخيفة لتضييع الوقت. انتهت أعياد الميلاد قبل برهة قصيرة وأنتقل العالم إلى العام الجديد 2025، بعد عقود من الحروب الأهلية الدامية في الشرق الأوسط، وتفشي التهديدات الإرهابية التي شلت المجتمعات الإسلامية والغربية على السواء وجعلتها تعيش تحت قوانين الطوارئ وفقدان الحريات الشخصية، رافقتها، لحسن الحظ، منجزات علمية وتكنولوجية مهمة. تمكنت القوى العظمى من تدمير الدولة الإسلامية داعش، ونجحت الأوساط العلمية في اكتشاف الموجات الثقالية، وقبلها بأعوام قليلة اكتشاف بوزونات هيغز مما عزز ورسخ صحة النموذج المعياري في فيزياء الجسيمات الأولية وتحققت قفزات لا يستهان بها في عالم اللامتناهي في الصغر.
كان " ج " الأب غارقاً في متاهات آدم وحواء التي أهداها له صديقه الروائي برهان شاوي قبل مايربو على الخمسة عشر عاماً ويعيد قراءتها على الدوام كلما شعر بضيق أو ضياع في متاهة الحياة، أبحر معها ليلتحف بها ويغلف عزلته عن هذا العالم الرتيب المتخم بالروتين والضوضاء. الزوجة " ر" تقوم بكي الملابس وتتأفف في كل لحظة كأنها شبح نحيف بلا ملامح، والطفلة " س" ذات العشرة أعوام تحاول فك طلاسم درسها في الرياضيات الذي فرضه عليها مدرسها في الكوليج ولم تنجح فاستنجدت بأمها إلا أن هذه الأخيرة ردت عليها متبرمة:" اسألي أبوك. قالت الطفلة بحذر: لماذا؟ هل لأنه هو الذي يعرف كل شيء celui qui sait tout ؟ ألا ترين إنه منصرف عنا وغائب في متاهاته، قالتها بالفرنسية وهي اللغة التي تتقنها لأنها لغتها الأم. تبادلت الطفلة وأمها النظرات برعب وذهول لأن شيئاً ما قد حدث واقتلع " ج" من غيبوبته وأعاده إلى الواقع اليومي وبدا كأنه مصاب بصدمة، إنها جملة: "هو الذي يعرف كل شيء" تكرر صدى هذه الجملة في رأسه مرات ومرات حتى كاد أن يغمى عليه، وبدا وكأنه يتحرك على نحو آلي كأنه منوم مغناطيسياً. نظرت إليه طفلته مفزوعة وزوجته مرتعبة وهو يتصرف ويتحرك كأنه أصيب بالذهان والهستيريا والصرع الشديد، ثم تصلبت أوصاله فجأة وتجمدت نظراته نحو الأفق وقسمات وجهه تحاول أن تقول شيئاً ما لكنها تبدو بلا مشاعر. في داخله، انتقل "ج" إلى عالم آخر، وعاد نصف قرن إلى الوراء، إلى ماضيه البابلي، إلى مرتع طفولته وصباه. فصار يشاهد نفسه على شاشة غير مرئية إلا من قبله هو فقط، رأى نفسه وهو في عمر السابعة عشر ويستعد لاجتياز امتحانات البكالوريا حاملاً كتبه وتائهاً بين أطلال مدينته التاريخية بابل في ظهيرة يوم قائظ يبحث عن ظل يقيه أشعة الشمس الحارقة. سمع صوتاً خارجاً من جدران المدينة التاريخية المتهرئة يطمئنه:" لا تخف فأنت لست مجنوناً، فلا أحد غيرك يسمع هذا الصوت. لقد اخترناك من بين مليارات البشر على هذه الأرض لهذه المهمة بعد أن درسنا تركيبتك الجينية. أنت سليل إنسان متميز يحتوي حامضه الأميني على جزء من حامضنا الأميني وذلك قبل أكثر من خمسة عشر قرناً من سنواتكم، عند زيارتنا الأخيرة لهذا المكان وكان جدك الأول يتسكع هنا بالضبط مثلك تماماً، وتم اللقاء بيننا، وكان ودوداً ومتعاوناً، سمح لنا بإجراء التجارب الجينية عليه وكتم السر ولم يتحدث لأحد بهذا الأمر تنفيذاً لتعاليمنا. كان "ج" يتلفت مذهولاً ويتمعن في كل الجدران وأحجارها عله يعثر على مصدر هذا الصوت غير المألوف الذي كان يبدو وكأنه يخرج من آلة تسجيل. استعاد " ج" رباطة جأشه وتوازنه وقليل من الشجاعة وقال: من أنت وماذا تريد مني؟ رد عليه مصدر الصوت غير المرئي. قلت لك لا تخف ستعرف كل شيء في حينه، كل شيء سيتضح لك فيما بعد عندما يحين الأوان. كل ما هو مطلوب منك الآن هو أن تحفر تحت هذا الحجر الصغير وتستخرج حقيبة مدفونة تركها لك جدك الأول وهي هدية منا له، ترثها أنت منه اليوم، ولكن يجب أن لا تفتحها إلا عندما تسمع عبارة" هو الذي يعرف كل شيء، ينطقها أحد من صلبك، بعد نصف قرن من الآن، لأنك لن تستوعب ما فيها في هذا العمر. عليك أن تتخصص في علم الفيزياء والفلك والرياضيات في جامعات متقدمة خارج بلدك لكي تدرك قيمة ما بين يديك. حافظ عليها كما تحافظ على حياتك ولا تجعلها تفارقك أبداً في رحلاتك وتنقلاتك. ثم اختفى الصوت فجأة كما ظهر دون أن يترك أي أثر.
استفاق "ج" من غيبوبته المؤقتة في شقته الباريسية الأنيقة وهو بين يدي طبيب الطواريء الذي استدعته زوجته على عجل، وهو يتذكر كل كلمة سمعها عند عبوره نحو العالم الميتافيزيقي. تناول بعض المهدئات التي وصفها له الطبيب واستعاد حالته الطبيعية. كان قد نسى تماماً أنه جلب معه، قبل نصف قرن، حقيبة غامضة مغلفة بمادة غير معروفة داكنة اللون أخفاها بين حاجياته القديمة وهي اليوم مركونة في قبو بيته.
في منتصف الليل تسلل بهدوء من سريره كاللص كي لا يوقظ أحد واتجه إلى القبو وأخرج الحقيبة الصغيرة وصار يتأمل فيها ملياً ثم فتح الحقيبة ووجد في داخلها لوح إلكتروني يشبه الآيباد لكنه غريب ولا يشبه أية ماركة معروفة، ومعه تعليمات دقيقة وخطوات عليه إتباعها، وبثلاث لغات العربية والانجليزية والفرنسية، كما وجد بطاقة إئتمان مصرفية، ورقمها السري لحساب مفتوح بإسمه لا يعرف من الذي فتحه له وفيه مبلغ كبير من المال. عرف ذلك عندما تأكد بنفسه من ذلك من خلال حاسوبه أو كمبيوتره الشخصي. كانت هناك قائمة بأدوات وأجهزة محددة عليه اقتنائها من عدة أسواق ومن عدة مصادر وعدة دول، وفي داخل اللوح خريطة تقنية بالغة التعقيد والدقة، وخطة عمل متناهية الدقة أيضاً، وبعض القطع النانوية اللاأرضية المصدر، من الفضاء الخارجي من صنع حضارة كونية راقية ومتقدمة جداً تكنولوجياً، لصنع كمبيوتر كمومي أو كوانتي فائق القدرة، لا محدود في إمكانياته وخصائصه وميزاته، وذا قدرة استيعابية غير محدودة وذاكرة مهولة تستطيع أن تحتفظ في قاعدة بياناتها على كل الموسوعات الأرضية وكل ما أنتجته البشرية من تراث وعلوم ونصوص ونظريات ومعلومات، وهو على اتصال دائم و مباشر بكافة الشبكات الموجودة في المجرة درب التبانة دون أن يتمكن أحد على الأرض من رصده أو الكشف عنه، و لا القدرة على معرفة مكان تواجده، يعمل بطاقة مطلقة لا تستهلك ويلتقط كافة أنواع الإشارات والموجات دون الحاجة للمرور عبر شبكات الاتصالات الأرضية السلكية واللاسلكية، ولا اللجوء إلى سيرفر أرضي، ويمتلك ذكاءاً صناعياً يتفوق على أرقى دماغ بشري بمليارات المرات.
وخلال فترة وجيزة من الزمن، وبعد عمل دؤوب، تحول القبو إلى منطقة منيعة يتعذر الدخول إليها بعد تغيير الأبواب والمغاليق، وتم تجهيزه بأحدث المبتكرات والاختراعات التكنولوجية والأجهزة الإلكترونية المتطورة حتى يخيل لمن يدخله وكأنه في إحدى مختبرات وكالة الفضاء الأمريكية الناسا.
إستقال ج من عمله وبقي في بيته يعمل ليل نهار و لا يخرج إلا نادراً ويختلق شتى الأعذار والذرائع لكي يبرر غيابه وعدم تواصله مع زملائه وأصدقائه. كان ينام ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم فقط. وما أن انتهى من صنع حاسوبه الفائق حتى أجرى أول اتصال بأصدقائه من الكائنات الفضائية الذي أخبروه بعزمهم على زيارته سراً وأخذه معهم في جولة قصيرة لا تستغرق سوى بضعة ساعات لكنهم شرحوا له أن هذه الساعات القليلة التي سيغيبها عن بيته وعن الأرض سيقابلها تسع سنوات أرضية ستمضي على الأرض قبل إعادتهم له إلى الأرض وعليه أن يتدبر أمر غيابه بأية حجة، وتذكر ما تعلمه من دروس الفيزياء عن مفارقة التوأم التي تقول أن توأمين يبلغان من العمر عشرون عاماً بقي أحدهما على الأرض وغادر الآخر في مركبة فضائية تسير بسرعة 297000 كلم / ثانية من سرعة الضوء التي تبلغ 300000 كلم / ثانية باتجاه نجم يبعد عن الأرض 20 سنة ضوئية، أي أن الرحلة من المفترض أن تستغرق أربعين سنة ضوئية فيما لو سارت المركبة بسرعة الضوء، لكن التوأم المسافر استغرق ست سنوات فقط من سنوات الأرض في رحلته ذهاباً وإياباً أي ثلاث سنوات وثلاث سنوات في الإياب، عبر ثقب أو نفق دودي،ما يعني أن عمر التوأم المسافر سيصبح 26 عاماً عند عودته إلى الأرض ليجد شقيقه التوأم الذي بقي على الأرض وقد بلغ ستون عاماً، وهناك إمكانية السفر خلال الخدود أو الثقوب الدودية بسرعة تقرب من سرعة الضوء لمدة عشر سنوات تستطيع المركبة الفضائية بلوغ مركز مجرة درب التبانة ولكن عن العودة يكون قد مضى على الأرض خمسة عشر ألف سنة ولو استغرقت رحلة المركبة خمسة وعشرون عاماً بسرعة تقرب من سرعة الضوء فإن بإمكانها القيام برحلة كاملة حول الكون المرئي ولكن عن عودتها إلى الأرض يكون قد مضى ثلاثون مليار سنة من السنوات الأرضية على الأرض ولكن من الذي سيضمن أن الأرض ستكون موجودة فهي ستفنى بسبب إنتهاء الشمس وغيابها إن لم تدمر نفسها بحرب نووية وتكنولوجية شاملة، ولن تكون هناك حياة بل وربما سيختفي النظام الشمسي برمته، لذلك فمثل هذه الرحلة مستحيلة بالنسبة للبشر.. شرح لزوجته وطفلته أنه سيغادر في رحلة عمل طويلة لايمكنه أن يشرح لهما تفاصيلها ويكشف أسرارها وعليهما أن تثقان به وسيترك لهما ما يحتاجانه من مال لمواجهة متطلبات الحياة ووعدهما بالعودة فور إنتهاء مهمته التي سيدونها في مخطوطة تحت عنوان " كنت ضيفاً في السماء" صب فيها خلاصة تجربته مع الكائنات الفضائية التي أخذته في رحلة لم تدم سوى ثلاث ساعات في مركبتهم كما يصفها بدقة مذهلة ومشوقة، لكنه عندما أعيد إلى الأرض كانت قد مضت تسع سنوات على اختفائه في ظروف غامضة فهو في نظر زوجته وطفلته، لا هو بالحي ولا هو بالميت، إنه مجرد مفقود. وعندما عاد لم يشخ سوى ثلاث ساعات فحسب ولم يكن هنا أي أثر للسنوات التسعة التي مضت على اختفائه، لكنه قرر عدم التحدث في الموضوع أو تقديم أي تفسير لغيابه بل ادعى فقدانه للذاكرة وإنه لا يتذكر شيئاً عن فترة اختفائه، كان " ج " رجلاً عصامياً، جاداً وصارماً، وصادقاً وأميناً وذكياً إلى أبعد الحدود، دون في مخطوطته إجابات للكثير من الأسئلة التي كانت تدور في خاطره كما هو حال الملايين من البشر على الأرض وناقش بعضها مع مضيفيه الفضائيين الذين لم يقدموا له تفسيرا عن سبب اختياره هو بالذات من بين مليارات البشر، فما هي خصوصيته لكي يختاروه هو وليس غيره وكان جوابهم:لايمكنك إدراك ذلك الآن أو فهم واستيعاب الشرح والإجابة التي سنقدمها لك. فهم لديهم معلوماتهم وتحليلاتهم الجينية والتركيبة الدماغية لكل كائن بشري يعيش على الأرض منذ ظهور الإنسان على الأرض وحتى يومنا هذا، لذلك يختارون عينات محددة من البشر يعرفونهم سلفا لإجراء أو استكمال تجاربهم العلمية عليهم بين الحين والآخر، وكان جده الأول من بين هؤلاء المختارين les élus. ولكن هل نحن على الأرض بمحض إرادتنا وما هو الهدف الحقيقي لهذا الوجود الحي؟ كان هذا أحد أسئلته، فقيل له:" أنتم البشر جزء جوهري ومهم من الوجود الحي للكون المطلق الحي ولكم دور ووظيفة محددة لكنكم لاتدركون ماهيتها في الوقت الحاضر إلا أنكم أساسيون للتوازن والديمومة فهناك الماهية الحية المطلقة هي التي أنجبت أو أوجدت البشر وباقي كائنات الوجود برمته". كما تم إخباره بأننا نحن البشر تم استخلاصنا وتطويرنا من جينات كائنات بشرية فضائية لا أرضية تعيش في مجرتنا وتتقدم علينا بملايين السنين وهم الذين أوجدونا على هذه الأرض بعد أن تدخلوا لتحسين وتطوير ظروفها المناخية خلال ملايين السنين لتكون صالحة للحياة، وعلى مدى أجيال كثيرة، مثلما كان حالهم هم أيضاً حيث أوجدتهم حضارات أكثر تطورا منهم وأقدم بكثير، خلقوهم في كوكبهم الذي يبعد عن الأرض حوالي 20 سنة ضوئية، وأخبروه كذلك أن البشر سوف يتطورون بدورهم في المستقبل البعيد ويصلون إلى درجة أو مستوى استعمار كواكب غير مأهولة بالحياة وتطويرها وتغيير ظروفها المناخية لكي تكون قابلة لاحتواء واحتضان الحياة ثم زرع مستوطنات بشرية هناك بعد السيطرة على ميدان الهندسة الوراثية والاستنساخ البشري المباشر والفوري، وهذه العملية مستمرة منذ مليارات السنين، وهذا بالفعل ما يحدث اليوم من برامج وخطط من قبل وكالات الفضاء الدولية لاستعمار المريخ والقمر. هناك عمر محدود للفرد ولكن لا يوجد للبشرية كجنس عمر محدد فموت خلية في جسم الإنسان لا يعني موت الجسم حيث تولد خلية بديلا عنها وهناك دورة حياتية أبدية يفنى فيها الجسد ويدوم الوعي وتدوم الذاكرة إلى الأبد على شكل معلومة حاسوبية افتراضية أو رقمية يمكن نقلها أو نسخها من جسم إلى آخر، لأنهما جزء جوهري من الوعي الكلي المطلق والذاكرة الكونية الكلية حيث ينتقل الوعي الفردي بعد موت الجسد ليلتحق بالوعي الكلي وتعاد برمجته ليبث في جسد آخر على غرار معتقد تناسخ الأرواح الهندوسي والبوذي ويمكن أن يبقى الوعي الفردي هائما لفترة قد تطول أو تقصر حسب معايير نجهلها لكن الوعي والذاكرة تظلان كامنتين في الأكوان المتوازية التي يستحيل ولوجها إلى أن يأتي دورهما في عملية تحول مادي جديدة. وهذا يعني أن لا شيء متروك للصدفة والعبث والعشوائية وما يتعرض له البشر من كوارث وحروب وأوبئة وأمراض جماعية وظروف حياتية مرفهة أو قاسية ليست سوى حيثيات تفرضها التباينات والتوازنات الطبيعية والمادية والفيزيائية المكانية والزمانية للحفاظ على التوازن الكوني الشمولي فكل جسيم وكل خليه مادية تحمل موروثها الجيني وذاكرتها ووعيها وتعرف دورها ومآلها كأن تكون لسان أو عيناً أو دماغاً منذ الأزل وإلى الأبد فهي كينونة مبرمجة سلفاً. يمكن للبشر لو تطورا قليلا أن يعوا أهمية الحفاظ على البيئة وإنقاذها من التلف والتدهور ويتم ذلك بالوسائل التكنولوجية حيث يمكنهم تكييف كل شيء مع أية بيئة يخلقونها وفي أي مكان في الكون. وسوف يصل الإنسان في المستقبل إلى وضع ومستوى يمكنه من قهر الأمراض والشيخوخة والآلام ومن ثم سيصل إلى حالة الخلود التي وصلتها الأقوام التي خلقت البشرية الأرضية، فهم لا يشيخون ولا يموتون ولو انقرض النحل على سبيل المثال فسوف يبتكر البشر وسائل تعوض النحل وتقوم بنفس الدور الذي يقوم به في المرحلة الحالية من التطور البشري فدماغ الإنسان كنز لا ينضب ولم يستغل البشر حاليا سوى جزء ضئيل جداً من إمكانياته،الكون المطلق الحي وا