محمد سليمان العنقري
طروحات بعض المتخصصين من المثقفين في العالم العربي حول مفهوم الفوة الناعمة انحصرت غالبيتها في الاعمال الفنية والروايات والصحافة والاعلام، وهو ما يعد طرحاً محدوداً لهذا المصطلح الذي ينسب لأستاذ العلوم السياسية في جامعة هارفارد جوزيف ناي وضمّنه لمؤلفاته بدايةً من عام 1990م، إلا أن هذا المفهوم الجديد في عالم كان يرى أن الانتشار والتأثير والسيطرة تأتي عبر القوة العسكرية أو بشكل عام قوى الإكراه ليغير بدراساته التي خلص فيها لنظرية جديدة تقوم على التأثير من خلال الإقناع عبر مؤثرات اكثر قبولاً مدعومة من قبل منظمات متنوعة الادوار ومن بين تلك الادوات كان الشق الثقافي والاعلامي لكن ذلك قد لا يعد تميزاً نادراً إذ يمكن لاي دولة او منظمة ان تقوم به اذا وضعت الخطط المناسبة له فكل مجتمع في العالم يمتلك ثقافة ملهمة ويمكن ان ينشئ إعلاما قويا، خصوصا مع التطور بالاعلام الجديد..
إلا أن ماهو مؤثر بشكل مميز ويعد من اقوى أدوات القوة الناعمة هي الصناعة والتكنولوجيا والعلامات التجارية؛ فدولة مثل المانيا استطاعت عبر علامات تجارية واسعة الانتشار عالمياً ومن أهمها شركات صناعة السيارات مثل مرسيدس وبي ام دبليو وكذلك الصناعات التقنية والطبية الاخرى أن ترسخ مفهوم الثقة بألمانيا وجودة كل عمل يقومون به مما اكسبهم موثوقية عالمية كبيرة استفاد منها اقتصادهم بشكل كبير، بل أصبحت الدولة موثوقة ولها مصداقية عالمية وذات الأمر بالنسبة لأميركا المتفوقة بمجالات عديدة، لكن التكنولوجيا الحديثة والابتكارات ومراكز البحث التي تعمل ليل نهار، والتفوق الطبي أيضاً رسخ فكرة إنها الأقوى عالمياً يضاف لذلك كل عناصر القرة الأخرى لديها لكن الحديث عن القوة الناعمة التي جعلت من المدنية الأمريكية ثقافة واسعة الانتشار..
وذات الأمر لعبته فرنسا عبر صناعات متميزة بالعطور والازياء حيث أصبحت شركاتها المتخصصة بهذه المجالات من القوى الناعمة التي تميزها عالمياً، ولذلك تعد من بين اكبر ثلاث دول بالعالم سياحياً، وتميز الانجليز ايضا بالانضباط والدقة في الانجاز وصدروا للعالم مفاهيم ادارية فأصبح أي تنظيم متقن يقال انه كالمعايير الانجليزية يضاف لذلك تميزهم بانواع معينة من الصناعات عالية الجودة والفخامة مثل سيارات رولز رايس فكل ذلك قدمهم للعالم عبر قوة ناعمة رسخت قناعات ثابتة بقدراتهم واهمية التعاون معهم، وهناك امثلة كثيرة لدول نشطت بهذا التوجه قبل أن يصنف كمصطلح قوة، كما أن تقديم المساعدات للدول الأشد حاجة وبناء مشاريع حيوية لهم مثل المطارات والمدارس والمستشفيات وبنى تجتية وخدمات مهمة، وكذلك التجارة تعد جميعها من القوة الناعمة وتبرز الصين في ذلك حالياً بشكل واسع..
مفهوم القوة الناعمة أصبح يشمل كافة المجالات، ولذلك لابد من الاهتمام بكل ما يمكن ان يتحول أحد وجهه الى قوة ناعمة سواء في امتلاك الثروات الطبيعية او قطاعات الصناعة والخدمات والتكنولوجيا خصوصاً الذكاء الاصطناعي وما يمكن أن ينتج عنه من تطبيقات وحلول تصدر للعالم لتكون قوة ناعمة ذات تأثير بالغ ينعكس بمنافع اقتصادية وتوسع في التبادل التجاري ومجالات اخرى فكرية وثقافية..

