خيرالله خيرالله
في الخطاب الذي القاه مباشرة بعد صدور القرار المتعلّق بالصحراء المغربية عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، القى الملك محمّد السادس، خطاب الملك المتواضع الذي يعتبر الانتصار الذي حققه بلده انتصارا للمغرب وللاستقرار في منطقة شمال أفريقيا. من هنا كانت دعوته إلى إحياء الاتحاد المغاربي الذي يضم المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.
اعتمد مجلس الأمن بأكثرية كبيرة (11 صوتاً) وجهة النظر المغربية القائمة على الحكم الذاتي الموسّع للصحراء. صار الحكم الذاتي، بموجب القرار، «أساساً» لأي مفاوضات من جهة وكرّس مغربيّة الصحراء من جهة أخرى.
وفّر القرار مناسبة كي يدعو محمد السادس الصحراويين الموجودين في مخيمات تندوف للعودة إلي المغرب وكي يوجه دعوة إلى «أخي عبدالمجيد تبون (الرئيس الجزائري) من أجل بدء«حوار أخوي وصادق بين المغرب والجزائر». أكد في الوقت ذاته أن المغرب«يبقى حريصاً على إيجاد حلّ لا غالب ولا مغلوب فيه».
في وقت تصرّف العاهل المغربي تصرّف ملك متعالٍ على كلّ ما له علاقة بالسياسات الضيقة والصغيرة وتصفية الحسابات، تبيّن مع صدور قرار مجلس الأمن أن قضية الصحراء لم تكن يوماً سوى قضية مفتعلة.
بعد 50 عاماً على«المسيرة الخضراء»التي انطلقت في السادس من نوفمبر 1975 وشارك فيها نحو350 الف مغربي رفعوا القرآن الكريم، اعترف مجلس الأمن، بالسيادة المغربيّة على الأقاليم الصحراوية. واعتمد مبادرة الحكم الذاتي الموسّع التي طرحها المغرب في العام 2007.
تلك هي رؤية الملك محمّد السادس التي أدت في نهاية المطاف إلى القرار الأممي الجديد الذي لا يفتح الأبواب أمام طي صفحة نزاع الصحراء فحسب، بل يمكن أن يؤسس لعلاقات جديدة بين دول المنطقة بعيدا عن الأوهام.
لم يأت قرار مجلس الأمن من فراغ. كانت الرؤية الملكية المتبصّرة، ولا تزال، الركيزة الأساسية لهذه الدينامية بعدما جمعت بين وضوح الرؤية السياسية ورصانة الفعل الدبلوماسي. وقد تجسدت في الدعم الصريح والمتزايد لمغربية الصحراء من جانب أكثر من 120 دولة عضو في الأمم المتحدة.
يوجد فعل تراكمي بدأ مع«المسيرة الخضراء»التي خطط لها الراحل الملك الحسن الثاني. خطّط أيضاً لمرحلة ما بعد خروج المستعمر من الصحراء في وقت كانت تمرّ فيه إسبانيا في مرحلة انتقالية من دولة ديكتاتورية يحكمها الجنرال فرانكو إلى نظام ملكي دستوري على رأسه الملك خوان كارلوس.
منذ استعادته لأقاليمه الصحراوية، بطريقة سلميّة، بفضل«المسيرة الخضراء» ثم انشاء الجدران التي سمحت بحمايتها عسكرياً، استطاع المغرب خوض كلّ المعارك السياسيّة والعسكرية. نجح في ذلك إلى درجة أنّ الملك محمّد السادس قال في خطابه لمناسبة عيد العرش (30 يوليو 2025) إن«هذه المواقف الداعمة للحق والمشروعية تُلهمنا الفخر والاعتزاز، وتدفعنا إلى المضيّ في البحث عن حلّ توافقي يُحفظ فيه ماء وجه الجميع، بحيث لا يكون هناك لا منتصر ولا منهزم».
يظلّ بين العوامل الأخرى التي لعبت دورها في ظهور الحقيقة عارية، أنّ المغرب استوعب باكراً ماذا يعني الاستثمار في الاستقرار، بدل الإرهاب، في طول منطقة الساحل الأفريقي وعرضها... فعل ذلك بعيداً عن الشعارات الفضفاضة.
ما يهمّ في الوقت الحاضر هو التطلّع إلى المستقبل بدل البقاء في أسر الماضي والعيش في ظلّ عقدة المغرب الذي استطاع تحقيق إنجازات ضخمة في كلّ المجالات، بما في ذلك على صعيد تكريس مغربيّة الصحراء.
استطاع المغرب منذ عودته إلى الاتحاد الافريقي تحقيق اختراقات في كلّ انحاء القارة السمراء التي جال فيها محمّد السادس... وصولاً إلى مدغشقر.
ليس القرار الجديد لمجلس الأمن سوى ترجمة لتوجه أوسع نحو اتساع رقعة الاعتراف الدولي بسيادة المغرب على صحرائه والدعم المتزايد لمبادرة الحكم الذاتي.

