منذ تولّي الشيخ فهد اليوسف الصباح حقيبتي رئاسة الوزراء ووزارة الداخلية، والشارع الكويتي يعيش ايقاعا غير مألوف من التحرّك والملاحقة والانضباط.
وزير لا يجلس في مكتبه ولا يبقى فيه طويلا، يتنقل بين الإدارات، يراقب، يحاسب، يبحث عن هيبة القانون ليعيدها الى مكانها، بعد ان مزقها وتجاهلها من استغل ضعفا اداريا وخللا رقابيا وغيابا للمحاسبة.. سنوات طويلة.
تبنى ملفات حساسة مثل الجنسية، المرور، والإقامات.. وبدأ الضرب بيد من حديد باطار القانون ولا شيء غيره.
نشاط لافت لهذا المسؤول جعل الناس تتحدث عن رجل لا ينام، ومسؤول يسابق الزمن لإصلاح ما يمكن اصلاحه، مما تراكم من تجاوزات لسنوات.
من زاوية الواجب، فإن ما يقوم به بو فيصل يعتبر في إطار العمل الطبيعي المفترض ان يكون في أي دولة مؤسسات، ولا يخرج من صميم مهام الوزير او المسؤول، لانه بالنهاية يطبق القانون ويراقب الاجهزة التابعة له.
ولكن من زاوية الواقع، وفي زمنٍ اعتاد الناس فيه على بطء القرارات وضعف المتابعة، فهم يرون ان هذا الأداء يبدو استثنائيًا، او غير طبيعي، بمعناه الإيجابي.. وكأننا امام سوبرمان.
في الكويت، ومن واقع تجاربنا السابقة - للأسف - ننظر إلى «الالتزام» وكأنه بطولة، وإلى «الحزم» وكأنه معجزة.
صرنا نصف المسؤول النشيط بأنه «دينامو»، لأننا لا نرى كثيرين يتحركون بنفس الهمة.
وعندما يُعيد المسؤول ثقة المواطن بأجهزة الدولة، فالمواطن بالتأكيد سيشعر ان السلطة التنفيذية بدأت تتحرك فعلاً وبقوة، بعيدا عن الشعارات والتصريحات.
كيف يتابع الكويتيون نشاط الشيخ فهد اليوسف والاصرار على الانجاز بقوة «وفق القانون»؟
هل يتابعونه بارتياحٍ ام بدهشة؟
هم بالتأكيد يستغربون مسؤولاً بهذا المستوى يتدخل بنفسه في كثير من التفاصيل اليومية - بالمكتب والشارع - ضبط المتلاعبين في المعاملات، والمتسيّبين في المنافذ، والمخالفين بالشوارع والمزورين في كل شيء.
كثيرون وانا احدهم، نخشى ما نخشاه، بل نحن في حالة من الخوف والريبة.. ان تتحول كل هذه الحيوية إلى «جهد فردي» سرعان ما يتبخر اذا ما تغيّر المنصب. فماذا لو ذهب الشيخ فهد اليوسف لاي سبب كان، وغادر موقعه الرسمي؟ ماذا سيحل بكل هذه الإنجازات؟ هل ستبقى المنظومة تعمل بذات الانضباط وذات الانجاز؟ أم أن الجهد كله سيُختزل في شخصٍ واحد، يزول بغيابه؟ لنعود إلى نقطة الصفر لا سمح الله.
الكويتيون اليوم يتحدثون عن وزيرٍ يعرف الملفات بالأسماء، ويلاحق التجاوزات كما لو كان في مهمة شخصية لا حكومية، والإعجاب الشعبي واضح، والناس يقولون: «أخيرًا أحد يشتغل!»، لكن خلف هذا الإعجاب، هناك قلق مشروع.
ليس الغرض من هذا السؤال والتساؤل، سوى انه يضعنا أمام حقيقة اساسية لا يمكن ان نخفيها، وهي أن الدول لا تُبنى على أكتاف الأفراد ولا بجهود فردية.. مهما كانت سلطتهم وقوتهم، بل تُبنى على انجاز مؤسسات تُحافظ وتواصل رسالتها واهدافها ومنهجها.. بعد ذهاب الأشخاص.
ما يفعله الشيخ فهد اليوسف اليوم لا يجب أن يتحوّل إلى لحظة بطولية عابرة.. بل يجب ان يكون منهجا اساسيا.. هدفه الاصلاح الحقيقي والمستمر، فالاستمرارية هي التي تحقق الاهداف وتثبتها، والاصلاح لا يُقاس بالجولات الميدانية أو القرارات الصارمة، بل بقدرتنا على ضمان استمرار هذا النهج، بغض النظر عمن هو الوزير اليوم وغدا.
الإعجاب وحده لا يصنع مستقبلًا، والمطلوب أن يتحوّل نهج هذا الوزير وغيره من الوزراء وكبار المسؤولين إلى «نظامٍ باقٍ» لا «اجتهاد عابر»، وإلى مؤسسية تضمن استمرار ما بدأه الوزير فهد اليوسف.. حتى لا نعود - بعد رحيله عن المنصب - إلى مقاطع فيديو قديمة كلها حسرة.
إقبال الأحمد

