: آخر تحديث

السبب.. الثراء الأمريكي الرهيب!

2
2
2

لم يعرف التاريخ دولة تأسست على قواعد ومثل أخلاقية عالية، كالولايات المتحدة الأمريكية، حيث مثّل «الآباء المؤسسون»، بالرغم من كل مثالبهم وعيوبهم، الطبقة السياسية المثالية لوضع قواعد دولة جديدة ودستور مميز، فتأسست ديموقراطية حديثة على مبادئ عالية أدت تاليا لأن تصبح أمريكا، مع الوقت، منارة حرية للعالم أجمع، ومثلا أعلى بدستورها وشعبها، واستعدادها للتضحية بالكثير من أجل إنقاذ العالم من أية شرور يواجهها. لكن مع كل رقم يضاف لحجم ثرائها، كانت تبتعد خطوة عن مثلها الإنسانية، بعد أن أصبح ذلك الثراء الهائل والمخيف نعمة ونقمة، في الوقت نفسه، وأصبحت مصالح الشركات الكبرى والأثرياء، وحتى اللوبيات، ذات تأثير رهيب على القرار السياسي، لما تمتعوا به من قوة وثراء لا يمكن تخيله أو وصفه، فلا نجاح في الوصول لأي منصب بغير الدعم المالي الضخم منهم، فحملة انتخاب سيناتور، في ولاية كبيرة، يكلف في المتوسط 20 مليون دولار. كما أن حملة أية مرشح للرئاسة تكلف أكثر من ذلك بكثير، فحملة إعادة انتخاب الرئيس «ترامب» كلفت أكثر من مليار و600 مليون دولار، تم جمعها من التبرعات، وعادة ما يكون لأصحابها القول الفصل في أمور كثيرة. هذه الحاجة لأموال المتبرعين، التي تشمل كل المناصب التي يتم إشغالها بالانتخاب، سواء على مستوى المدينة أو الولاية، زاد من «توحش» الحملات الانتخابية، وانحرافها. وبالتالي لم يكن غريبا أن أصبح لكل رئيس أمريكي حربه الخارجية، الخاصة، لدفع فاتورة انتخابه، وأصبح لكل نشاط، بصرف النظر عن مدى ضرره، مثل مصنعي الأسلحة، التي يحق لأي أمريكي شراؤها كما يشتري علبة سجائر من بقال. هذا الدور القوي والمخيف للمال انتبه له الصهاينة، مع بداية الحرب العالمية الثانية، فنقلوا كل قواهم لأمريكا، من القارة العجوز، وكونوا اللوبي الأقوى للتأثير على أصحاب القرار من السياسيين الأمريكيين، من خلال المشاركة السخية في دعم حملاتهم الانتخابية. والسعي بشتى الطرق، وصولا للتصفية السياسية أو الجسدية، لكل من يعارض مصالح إسرائيل، وشيئا فشيئا تحولت «منارة الحرية والديموقراطية» لمصدر للخوف، فأن تكون عدوا لأمريكا فهذا يشكل خطرا عليك، وأن تكون صديقا لها فأنت في خطر أكبر! وهكذا تدهورت الأخلاق في السياسة، مع استثناءات قليلة، مع زيادة اضطرار الإدارات المتعاقبة لمجاراة أصحاب النفود، وأصبحت الحكومة غير قادرة على الوفاء بكل التزاماتها الداخلية والخارجية، وعاجزة عن التوفيق بين أولوياتها، مع التزايد الرهيب في حجم ديونها.

كما أصبحت محاولتها الموائمة بين كونها منارة علم وقيم سامية، ونموذجا يحتذى، وحاجتها لأن تستمر قوة استعمارية وحربية عظمى، ذات بطش وأسلوب خال تماما من الإنسانية، مدار بحث في أكثر من لقاء وكتاب. وهكذا اصبح وصول رجل قوي ونزيه لسدة الرئاسة أمرا أكثر صعوبة يوما عن يوم. فلا يمكن أن يصل شخص ما لتولي المنصب الأقوى والأوسع صلاحية والأكثر قدرة، دون أن يكون مدينا، أو ممتنا لجهات أخرى، ساهمت بطريقة أو بأخرى في وصوله، وهؤلاء لا يهمهم، غالبا، أن تكون أمريكا منارة للعلم والحرية، بل لأن تبقى قوة مسخرة لتحقيق مصالحهم، وخططهم، لذا رأينا كيف أصبحت تتلاشي صورة أمريكا التي نعرفها، مع تتالي فشلها في فيتنام والصومال والعراق وأفغانستان، وغيرها، فتورطها في حروبها لم يكن غالبا من أجل الحرية والكرامة الإنسانية، ومحاربة الشيوعية، بل لجعل الآلة الحربية تعمل دون توقف. كما أن موقفها من أمن إسرائيل، والإصرار على دعمها بالرغم من كل جرائمها، شكل المسمار الأخير في نعش «مصداقية الديموقراطية الأمريكية»، مع انكشاف الجانب المظلم منه.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد