ظاهرة التسقيط السياسي في الانتخابات العراقية أصبحت بمثابة مسرحية هزلية يملؤها السخافة والضحك على الذقون، حيث يتحول اللاعبون إلى مهرجين يمسكون بسبابهم ويُلقون التهم والأكاذيب كما لو أنهم على مسرح مافيا يُدار بأيدي محترفة من فصيلة «لا أصدق الله ولا رسوله، لكن أصدق مصالحنا».
وفي قلب كل هذا، يبرز السوداني كعنصر مركزي، كأنه بطل خارق من نوع خاص، أُخرج من عباءة داعميه ليُسلّم لهم مفاتيح «السيطرة»، فصاروا يدافعون عنه ببطولات وهمية، ويهاجمونه عندما بدأ يخرج من عباءتهم، تماما كأنهم يفتحون دفاتر الانتقام من خادمهم الأوّل.
السوداني من وجهة نظر داعميه كان في يوم من الأيام داعياً محترفاً، ثم فجأة، أصبح عدوَّهم الأول، يهاجمونه بكل الوسائل، وكأنه سرق لهم حبّة ملوخية من السوق، أو تجرأ على أن يرفرف بعلم مستقل في ساحة السياسة.
كانوا يهللون له، ويصفقون حين كان يُمجد، ثم صاروا يتهمونه بالتطبيع والعمالة، وكأنه قام بسرقة عرش هتلر. لا أحد يعلم كيف تحول من نجم وسيم في سماءهم إلى شيطان رجيم، لكن الثابت أنهم يطبخون كل صباح وصفة جديدة من «العمالة، والخيانة، والتآمر»، ويقدمونها على أطباق من أكاذيب وادعاءات بلا مرق.
لم تقتصر أساليب التسقيط على التهم والكذب فقط، بل تجاوزت ذلك إلى التسقيط الأخلاقي من خلال تمهيد وتمرير أفلام إباحية مزعومة تحتوي على ممارسات منسوبة لرجال ونساء مرشحين، في محاولة بائسة لضرب السمعة وقتل الصورة، وكأن القيم قد صارت سلعة تباع وتُشترى في سوق الدجل السياسي، حيث تُشوهُ الشرفاء وتُطعن الأخلاق في وضح النهار، ليبقى الجميع رهينة لعبة خسيسة من الأكاذيب والتشويه.
وفي زمن تسقيط القيم، يُسمح لكل من هبَّ ودب أن يكذب ويكذب، فقط لأن الخصم يقف أمامهم، وكأنهم يحرثون في أرض بور من الخرافات والأباطيل. فمع أنهم يرددون شعارات الدين والتطهر، يُظهرون في الواقع وجههم الحقيقي، وجه من يتاجر بالقيم والأخلاق كما يتاجر البائع بالحجارة الكريمة، وكل ذلك باسم «الوطن»، فيما هو في الحقيقة مجرد سباق نحو مصلحة ضيقة، ومناصب عابرة، وأموال تلوح في الأفق كنجوم ليل قاتمة.
هناك من يأتي من عاصمة ما، يحمل جنسية مزدوجة، ويفتتح مؤتمره الصحفي بلهجة مكسّرة: "أنا عائد لأخدم الوطن، ولكني أحتفظ بحقي في اللجوء… احتياطًا فقط."يحمل شهادة في "إدارة الأزمات"، لكنه لا يستطيع إدارة حساب تويتره. إذا نجح، عاد إلى البلد الذي جاء منه بحقيبة ممتلئة... وهذه المرة ليست ملابس، بل عقود وصفقات!
وفي كل دورة انتخابية، يظهر "شيخ العشيرة" كأنه قاضٍ دستوري ووزير داخلية ومفتي جمهورية، كل ذلك بلحية مشذّبة وسبحة ذهبية. من لا يزوره خاسر، ومن لا يُهديه ثورًا ومكيفًا ووعودًا، عليه أن يبحث عن أصواته في كوكب آخر. الشيخ لا يقرأ البرامج الانتخابية، بل يقرأ "القائمة التي فيها ابن خاله أو ابن شيخ ثاني متفاهم وياه".
وفي النهاية، المهزلة الكبرى أن التسقيط لم يعُد موجّهًا للأشخاص فقط، بل لوطن بأكمله. تُفجّر الأزمات، تُلفّق الأكاذيب، ويُخرَّب كل شيء… فقط لكي يسقط منافس، أو تصعد كتلة. وفي هذا السيرك السياسي، الشعب هو المتفرّج الوحيد الذي دُفع ثمن التذكرة من راتبه، ومستقبله، وكرامته!
إنهم لا ينافسون، بل ينبحون في سوق السياسة، وكلابهم لا تمسك اللص… بل تنهش الشرفاء!


