: آخر تحديث

عامان على «الطوفان».. حسابات الأرباح والخسائر

2
2
2

علي عبيد الهاملي

في مثل هذا اليوم، قبل عامين، استيقظ العالم على العملية التي أطلقت عليها حركة «حماس» اسم «طوفان الأقصى». لم يكن الاسم عادياً، ولم تكن المشاهد التي رافقت الإعلان عنه مألوفةً في سجل الصراع الطويل على الأرض المحتلة. وبدا الأمر وكأنه زلزالٌ عسكريٌ سياسيٌ معاً، زلزالٌ حرك المياه الراكدة، وأعاد الصراع إلى واجهة نشرات الأخبار.

ولكنْ بين الصدمة الأولى والواقع الممتد على مساحة 729 يوماً مسافةٌ كبيرةٌ لا يمكن اختزالها في الشعارات أو الصور المثيرة. فاليوم، وبعد مرور عامين كاملين على الطوفان، يظل السؤال معلقاً: ماذا جنت «حماس» والفصائل التي سارت معها من ذلك الطوفان، وماذا خسر الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية بسببه؟

منذ اللحظة الأولى، بدا «الطوفان» كأنه إعادة رسم للمعادلة. فالمباغتة التي حققتها «حماس» والفصائل وضعت الجيش الإسرائيلي في موقفٍ غير مسبوقٍ، وكسرت صورة القوة التي لا تُقهر. لعلها كانت اللحظة التي شعر فيها الفلسطيني أن بإمكانه توجيه ضربة موجعة لإسرائيل.

غير أن هذه الصورة المدوية، وما رافقها من مشاهد أربكت إسرائيل وأحرجت حلفاءها حينها، تحولت شيئاً فشيئاً إلى عبءٍ ثقيلٍ على أهل غزة الذين وجدوا أنفسهم في مواجهة آلةٍ عسكريةٍ لا تعرف الرحمة.

الحصاد لم يكن واحداً، فعلى المستوى الفصائلي، بدت «حماس» وكأنها تعزز رصيدها، داخلياً وخارجياً، باعتبارها الرقم الأصعب في معادلة الصراع. لكنها على المستوى الوطني أطلقت شرارة جدلٍ طويلٍ حول الثمن الذي دفعه الفلسطينيون مقابل ذلك. عشرات آلاف القتلى سقطوا، أكثر من 200 ألف جريحٍ، مئات آلاف المشردين الذين فقدوا بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم وانقطعت مصادر دخلهم. غزة صارت معزولةً عن العالم، أهلها مشردون جوعى، مدينةٌ تتنفس بصعوبةٍ تحت سقفٍ من نارٍ ودخانٍ.

في الأوساط السياسية، استثمرت إسرائيل ما جرى لتبرير عدوانها، فجمعت دعماً غير مسبوقٍ من حلفائها، وقدمت نفسها ضحيةً تسعى إلى الدفاع عن نفسها، بينما انشغل المدافعون عن فلسطين بمحاولة إعادة التذكير بأن الاحتلال هو أصل الحكاية وجذر المأساة. أما الفلسطيني العادي البسيط، فلم يَجْنِ سوى مزيدٍ من الدم والدموع والجوع. لم يرَ أفقاً سياسيّاً يوازي تلك التضحيات، ولم يلمح بارقة أملٍ في نهايةٍ قريبةٍ للحصار والمعاناة والمجاعة.

بعد طرح خطة ترامب المعدّلة لحل أزمة غزة، وجدت حركة «حماس» نفسها في موقف المتردد؛ لا تقبل فَتُتَّهم بالاستسلام، ولا ترفض فتدفع شعبها إلى عزلةٍ أعمق وأشد. هذه الحيرة السياسية تكشف غياب رؤيةٍ موحدةٍ للقضية، وغياب استراتيجيةٍ وطنيةٍ تتجاوز الحسابات الفصائلية الضيقة.

وجدت «حماس» نفسها محشورةً في زاويةٍ ضيّقةٍ فأصدرت بياناً، كان أبرز ما فيه موافقتها على الإفراج عن جميع الرهائن والجثامين التي ما زالت تحتجزها، وتخليها عن المشاركة في إدارة القطاع.

في ميزان الربح والخسارة، خرج الشعب الفلسطيني مثقلاً بالخسائر. صحيحٌ أن إسرائيل اهتزت صورتها العسكرية، لكن الثمن الذي دفعه الفلسطينيون لا يقاس بمكاسب إعلاميةٍ عابرةٍ. الدماء التي سالت لا تُعوض، البيوت والمستشفيات والمدارس والجامعات والمرافق التي تهدمت لن يعاد بناؤها بسهولة.

أما الذاكرة التي امتلأت بمشاهد الموت والجوع والدمار والرعب فستظل شاهداً على أن «الطوفان»، الذي بدا في البداية مزلزلاً، لم يتحول في النهاية إلى طوق نجاةٍ يُخرج الفلسطينيين من نفقهم الطويل، بل أغرق سفنهم وجرف أرضهم.

عامان مرّا على «الطوفان»، وما زال السؤال قائماً: هل استطاعت «حماس» أن تحصد ما وعدت به شعبها، أم أنها والفصائل الأخرى، قدمت عرضاً صاخباً، أخرجها من المشهد، وانتهى بتكريس مأساةٍ جديدةٍ؟ الإجابة ليست سهلةً، لكنها تميل، بحساب الوطنية لا الفصائلية، إلى أن الخسارة كانت أفدح من أي مكسبٍ، وأن الدم الفلسطيني لا ينبغي أن يكون وقوداً لمعركةٍ لا تفتح باباً نحو المستقبل.

لن نستغرب إذا خرجت علينا «حماس» في أي لحظة لتعلن «النصرالإلهي» بعد كل هذا القتل والتشريد والتجويع الذي تعرض له شعب غزة، وبعد كل هذا التدمير والخراب الذي تعرض له قطاعهم، فقد عوّدتنا الحركات والأحزاب الراديكالية الأصولية المتشددة على مثل هذا النكران بعد كل هزيمةٍ تتعرض لها، تماماً مثلما فعل «حزب الله» في لبنان بعد أن وقّع على اتفاق هزيمته العام الماضي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد