تكومت الأوراق أمامي ما بين ممزقة وأخرى متكومة على نفسها من قسوة اليد عليها.. لم أتوقف أحاول الكتابة من جديد على ورقة جديدة.. لا يطول الأمر أبعثها إلى سابقاتها!
لماذا لا تحضر الكلمات؟! أم أن هناك لحظات ينقلب عليك القلم فيها.. لأن وحي القلب الحزين أسر إليه ألا يخضع؟ نعم هو الفؤاد المدمى المرتبط بهذا القلم.. لأن فقد الأخ الصديق العميد خالد الزبن قد أدمى الفؤاد بما جعله حتى يتحكم بكل الحواس والأفعال.. فحين يكون رحيل من هو بهذه القامة خيرا وتواصلا ومحبة فمن الصعوبة أن تلتقي مع الكلمات التي تريدها.. تخرجها لعل وعسى أن تخفف من مصابك.. تكتب بعضها لكن ترميها من جديد لأنها كسابقاتها غير قادرة على وصف قوة المصاب أو تصويره أو حتى مسايرته!
في فراق الأخ العزيز أبي عبدالعزيز أكتب تحت وطأة الخبر الصاعق المدوي الذي حضر فجأة ليغير كياني، ينقلب حالي.. أعاد صياغة تفاعلي مع اللحظة.. اختطف الابتسامة.. أقول ذلك مع إدراكي أن الأرواح بيد الله، وعلمي أن صديقي صارع المرض بقوة واستبسال نادرين، ولفترة ما قبل الخبر الحزين كنّا مؤمنين بأنه يقترب من الشفاء.. لكنها قدرة الله وما باليد حيلة فالخطب كان قاسيا أشعرني فجأة بسوداوية قاتمة جعلت القلب خفاقا يكاد أن يخرج من مكانه!
خالد الزبن الرجل الذي اتفق على حبه كل من عرفه أو تعامل معه، كان -رحمه الله- ذا كلمات معبرة قصيرة وحاسمة، ويظهر الإنسان الحقيقي داخله حينما لا يستطيع أن يمنع دموعه التي تفضح عواطفه الجياشة وكأنه قد بنى إرثا من الخلق الحسن والبر وصدق التعامل مع نفسه والآخرين، كان بحق نعم الرجل المحب لمجتمعه الغيور على دينه.. جعل من عمله تواصلا للارتقاء بخدمة الناس، لتظل ذكراه مستمرة ليس بين أسرته فقط، بل من خلال مجتمعه الكبير الذي عاشه وتفاعل معه، حيث كان كالنسيم العليل الذي أسعد من حوله.
أستغفر الله فلا راد لقضائه.. لكن حين رحيل من نحب تتراءى لك في كل لحظة ابتسامته، حديثه، مشيته، وضحكته.. ثم لا ينفك التفكير به قبل أن يقفز الشعور بالفقد والاشتياق لتتوالى في الرأس ذكريات العمر الممتد مع ذلك الإنسان المكافح النبيل.. ذكريات ملتصقة لا تتزحزح أبدا عن مكانها.. مع الرجل البسيط الذي أفنى عمره مخلصا لدينه ووطنه عبر تبوئه لمراكز قيادية في كل ما من شأنه أمن هذه البلاد والعباد.. هو نفسه الوقور المتواضع الذي حضرت أخباره حاملة رحيله عن دنيانا الفانية.. ولا اعتراض على قدر الله لكنها لوعة الفراق وفقد الصديق العزيز.
سيفقده كل من عاشره وستتذكره أسرته أبا رؤوفاً حانياً رحيماً، أسكنه الله فسيح جناته وأعان عائلته الكريمة على فقده.. وألهمنا نحن أصدقاءه ومحبيه الصبر والسلوان، ولن نجزع لأننا ندرك فعله الصالح ومساره القويم، وأسأل الله أن يجمعني وكل من يقرأ معه في الفردوس الأعلى.. «إنّا لله وإنّا إليه راجعون».