: آخر تحديث

لبنان على أعتاب حقبة جديدة

2
2
2

خروج لبنان من دائرة النفوذ الإيراني بات واضحاً، وهو من أبرز نتائج الحروب التي تشهدها المنطقة بدءاً بحرب غزة التي انطلقت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 مروراً بالحرب الإسرائيلية - الإيرانية التي تواصلت على مدى 12 يوماً، إنما الأهم طبعاً الحرب على لبنان التي أعادت خلط الأوراق على أكثر من صعيد.

وإذا كانت الإمكانات الوطنية غير مكتملة بما يتيح عدم استبدال نفوذ آخر بهذا النفوذ المتلاشي، فإن اللحظة السياسيّة تقتضي اقتناص الفرصة لاستنهاض مشروع الدولة الذي تأخر لعقود، وأن تتمكن الحكومة فعلاً من تنفيذ قراراتها التي تنص على بسط سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانيّة من دون أن تشاركها في هذه الوظيفة السياديّة أي جهة محلية أو غير محلية أخرى.

صحيحٌ أن قرارات الحكومة اللبنانيّة بحصرية السلاح قد أتت نتيجة منطقيّة للتغيرات التي فرضتها الحرب الأخيرة، ولكن ثمة من يتناسى من الأساس أن فرض سلطة الدولة على أراضيها هو من بديهيات عمل الدولة في أي بلد من البلدان، وهو أيضاً في الحالة اللبنانية كان ورد في وثيقة الوفاق الوطني اللبناني (اتفاق الطائف) التي أقرت سنة 1989 ونُفذت بطريقة مجتزأة في الكثير من بنودها.

وإذا كان النقاش حول حصريّة السلاح يجب أن يُطوى بالاستناد إلى الاعتبارات أعلاه، وقد آن الأوان لحصوله حقاً، فإن النقاش حول السياسات والآليات التي يفترض أن تُعتمد لحماية استقلال لبنان وتحقيق الانسحاب الإسرائيلي ووقف الانتهاكات اليومية للسيادة الوطنية من خلال استراتيجية للأمن الوطني من الضروري أن تُبحث.

كذلك، إذا كانت الجهات المتحمسة لتغير موازين القوى في لبنان لن تذهب في اتجاه تقوية المؤسسة العسكرية وتوفير الغطاء السياسي للحيلولة دون استمرار الانتهاكات الإسرائيلية، فثمة مشكلة حقيقية سوف تنشأ في لبنان جرّاء فقدان السيادة الوطنية واستطالة الوضع الراهن على حاله، لا بل تفاقمه في اتجاهات غير حميدة.

لا أحد يتوقع أن يوفر الغرب تسليحاً للجيش اللبناني ليقارع إسرائيل، ولا أحد يتوقع أيضاً أن يتخلى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية عن الالتزام التام بالحليف التاريخي أي إسرائيل، ولكن لا يمكن إشاحة النظر عن استمرار الاستباحة الإسرائيليّة للبنان براً وبحراً وجواً منذ وقف إطلاق النار في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.

واضحٌ أن المائة ألف صاروخ التي كان يتغنّى بها «حزب الله» لم تسعفه في الحرب الأخيرة، ولا المائة ألف مقاتل الذين كان يتحدث عنهم الأمين العام السابق الراحل حسن نصر الله في رسائل إلى الداخل والخارج. لذلك، لا بد من ابتداع وسائل جديدة لإدارة هذا الصراع، والخطوة الأولى تكون بالالتفاف حول الدولة، ولو أن الشكوى من ضعفها قد تكون مفهومة، إلا أن المدخل للخروج من الحالة الراهنة، يبدأ بهذه الخطوة التي تشكل ممراً إلزامياً ونقطة عبور نحو المرحلة الجديدة المختلفة نوعياً عن المرحلة السابقة.

إنها بالضبط المرحلة التي تتطلب نقاشاً داخلياً لبنانيّاً حول كيفيّة مقاربتها والتعامل معها، بعيداً عن سياسات الاستقواء التي سقطت بالضربة القاضية، وبعيداً أيضاً عن سياسات الإقصاء التي لا تولد سوى الحقد بين اللبنانيين وتوسع مسافات الانقسام في ما بينهم.

نعم للبحث عن صيغة يعزز لبنان من خلالها صموده الوطني، ووحدته الداخلية، ويعزز فرص عودته إلى موقعه الطبيعي في المنطقة كحصن متقدم في الثقافة والفنون والفكر، ونعم أيضاً للاستفادة من القدرات المتوفرة وتوظيفها في خدمة المشروع الوطني وتحت قيادة الدولة حصراً بما يؤسس لمرحلة جديدة يتوق إليها اللبنانيون.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد