: آخر تحديث

كنوز الفراعنة أسفل عين شمس

2
2
2

بعد ما يزيد على نصف قرن قضيتها في العمل باحثاً في الآثار المصرية، ما زلت على يقين بأن ما تم كشفه من آثار حتى الآن لا يزيد على الثلث، فما زال هناك نحو 70 في المائة بباطن الأرض لم يتم كشفه بعد. والواقع أن مصر الحديثة قد بنيت فوق مصر القديمة... وهذا واضح في مدن مثل أسوان، حيث عثر داخل المدينة على أدلة أثرية تؤكد ذلك. بل وهناك مدينة كاملة بها معبد ضخم خصص للإله «مين» إله الخصوبة والتناسل عند الفراعنة وصفه المؤرخون والرحالة العرب بأنه أكبر من معابد الكرنك بمدينة الأقصر. وفي القاهرة يوجد حي عين شمس القابع فوق مدينة أون القديمة. وقد قام أحد المواطنين بهدم مسكنه لبناء عمارة سكنية ليفاجأ بوجود مقبرة فرعونية مغلقة تماماً أسفل أساسات المسكن القديم. وقانون الآثار في مصر لا يسمح لأي مواطن بالبناء في هذه المنطقة إلا بعد الحصول على تصريح من تفتيش الآثار التابع له، والذي يقوم بإرسال أثريين مدربين لمراقبة حفر الأساسات. وإذا لم يعثر على شيء يتم تسليم الأرض لصاحبها. أما إذا عثر على آثار منقولة -مثل التماثيل والقطع الأثرية- فيتم تسجيلها، ونقلها إلى المخازن، أو المتاحف حسب حالتها، وتسلم الأرض أيضاً لصاحبها. أما في حالة العثور على آثار غير منقولة، أي ثابتة في مكانها، مثل المعابد، أو المقابر، أو المساكن القديمة، هنا تنزع الملكية، ويتم تعويض صاحب الأرض حسب القيمة السوقية للأرض، أو منحه قطعة أرض بديلة في مكان آخر.

وهناك حادثة مشهورة في عين شمس تتلخص أحداثها في أن نقابة المحامين قامت بشراء قطعة أرض بغرض بناء مبانٍ سكنية. وعندما قام الأثريون بمراقبة حفر الأساس اتضح وجود مقبرة رائعة الألوان لم نرَ لها مثيلاً من قبل، وتخص شخصاً يدعى با نحسي، ويرجع تاريخها إلى الأسرة 26، أي منذ 2500 سنة. تلك الأسرة التي حاولت أن تستعيد أمجاد الماضي، والعصور الذهبية لمصر الفرعونية. وبالفعل قامت هيئة الآثار في ذلك الوقت بضم الأرض إلى حيازتها، ودفع مبلغ 50 مليون جنيه قيمة هذه الأرض إلى النقابة. وبدأ إعداد المنطقة لكي تكون متحفاً مفتوحاً ننقل إليه كل الآثار التي يعثر عليها أسفل المنازل. وبعد سنوات من الكشف عن المقبرة بدأت تعاني من مشكلات المياه الجوفية. وكان لا بد من إنقاذ المقبرة. وبالفعل بدأ المرمم المرحوم مصطفى عبد القادر في فك أحجار المقبرة وترميم كل حجر، وبعد ذلك بدأ في نقل المقبرة إلى مكان مجاور بعد أن بنى قاعدة مسلحة بمواد عازلة تعزل المقبرة عن المياه الجوفية. وقد شاهدت كل خطوة بدأها المرحوم مصطفى عبد القادر في نقل المقبرة. وكنت أشبه هذا العمل بمشروع إنقاذ معابد أبو سمبل، ولكن على نطاق ضيق.

أما بالنسبة إلى المقبرة المغلقة التي تم الكشف عنها كاملة أسفل مسكن المواطن، وكنت وقتها المسؤول عن إدارة الآثار في مصر، لذلك قررت أن أحفر هذه المقبرة. وعندما وصلت إلى الموقع ومعي فريق العمل وجدت آلاف المواطنين في انتظار أن يتم العثور على الكنز الذهبي داخل المقبرة، وكنت أرى كل هذا في عيونهم، وهمساتهم. بدأنا العمل في تسجيل الموقع، وجمع الشواهد الأثرية، وبعدها بدأنا نزيل الأحجار الضخمة الموجودة بسقف المقبرة، نظراً لأن مدخل المقبرة يقع أسفل عمارة سكنية مجاورة لم يكن من الممكن إزالتها، لذا دخلنا المقبرة من سقفها، وفوجئنا بأن جدران المقبرة من الداخل مزينة بمناظر دينية بديعة. وداخل المقبرة تم العثور على مومياوات، وتوابيت، والعديد من الأثاث الجنائزي.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد