: آخر تحديث

وطن العز

2
2
2

في 23 سبتمبر من كل عام، تحتفي المملكة بذكرى إعلان الملك عبدالعزيز لتوحيد البلاد تحت اسم المملكة العربية السعودية عام 1932م، إنها لحظة مفصلية أرست أساس الدولة الحديثة، ووضعت اللبنات الأولى للوحدة والأمن والولاء والانتماء. ومنذ ذلك الحين، لم تتوقف الدولة عن التحديات، لكنها بالأمس كما اليوم، واجهتها بالإرادة والعزم، مستندية في ذلك إلى التاريخ وبادئة من ماضيها القوي نحو مستقبلها.

واليوم، كما بيّن ولي العهد في خطاب الشورى، تُترجم رؤية 2030 مبادئ التأسيس -الشريعة والعدل والشورى- إلى واقع ملموس، من تنويع اقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط، إلى استثمار في الذكاء الاصطناعي، والتقنيات، والتنمية البشرية، وتعزيز دور القطاع الخاص، وتوطين الصناعات، خصوصاً العسكرية منها.

فما بدأه الملك عبدالعزيز قبل ما يقارب مئة سنة، من بناء مؤسسات، تأمين الحدود، تأسيس هوية وطنية، إنه اليوم يُكمَل برؤية منظّمة، تدبير حكومي، تشريع رقابي ومجالس وطنية تُسوّق لمشاركة المواطن وتمكينه. عندما يتحدث ولي العهد عن إنجاز الأنشطة غير النفطية التي بلغت أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي، عن قيام المملكة مركزًا عالميًا لاستقطاب الشركات الدولية، عن تصاعد القدرة الدفاعية وتوطينها، وعن تحسين جودة الحياة والخدمات، فذلك هو الترجمة المعاصِرة للمبادئ التاريخية.

في افتتاح أعمال السنة الثانية من الدورة التاسعة لمجلس الشورى، ألقى ولي العهد -نيابةً عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز- الخطاب السنوي الذي يُعدّ خريطة طريق تُرسم عبرها سياسات المملكة الداخلية والخارجية، ومن بين أبرز ما تضمنه الخطاب ارتفاع نسبة الأنشطة غير النفطية إلى أكثر من 50 % من الناتج المحلي، واقترابها من 56 %، وهو ما يعكس نجاح استراتيجية التنويع الاقتصادي.

وتضمن كذلك توقيع اتفاقات في الذكاء الاصطناعي، مشروعات تطوير البُنى التحتية التقنية، جهود نحو مركزية المملكة في مجالات المستقبل. توطين الصناعة العسكرية زيادة من نحو 2 % إلى ما يزيد على 19 %. وخفض البطالة، وزيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، تحسين الخدمات وجودة الحياة، وتحسين الدخل، والإنفاق العام على الأولويات الوطنية.

إن الربط بين الماضي والحاضر ليس مجرّد استرجاع تاريخي، بل ينبثق منه فهمٌ عميقُ لأن القيم التي أنشأت الدولة -مثل العدل، الأمان، المسؤولية، خدمة الإسلام والمواطن- هي نفسها التي تُحييها هذه القيادة اليوم برؤية واضحة، مؤسسات قوية، مشاركة شعبية، وبنية قانونية تشريعية ورقابية.

اليوم الوطني هو أكثر من ذكرى؛ هو لحظة تأملٍ في المسيرة، وفرصة لاستئناف الالتزام بما وراء الأهداف: خدمة الإنسان، تحقيق العدالة، تمكين المواطن، مسؤولية وطنية معاصرة تقوم على التفاني في العمل، الابتكار، والولاء.

التحديات كثيرة، من التنويع الاقتصادي إلى الاستدامة البيئية، من تعزيز البُعد الحضاري إلى الاستجابة لمتطلبات العصر الرقمي، لكنها ليست جديدة؛ الدولة منذ البداية واجهت الكثير، وتجاوزته، واليوم بعد رؤية 2030 نجحت في الانتقال إلى مرحلة من المنجز، وباتت تتطلع إلى قفزات نوعية وليس فقط تراكمية. يقول ولي العهد الأمير محمد بن سلمان: نحن نمضي قدماً في بناء اقتصاد متنوع، قوة دفاعية موطنة، ورؤية حضارية تضع الإنسان في قلب أولوياتها، لنجعل من المملكة نموذجاً يُحتذى به.

الرئيس الأميركي الأسبق فرانكلين روزفلت بعد لقائه الملك عبدالعزيز على متن المدمرة كوينسي عام 1945 قال: "لقد أدركتُ أن المملكة العربية السعودية ليست مجرد دولة في صحراء شاسعة، بل قوة واعدة ستؤثر في استقرار المنطقة والعالم، لقد رأيتُ في الملك عبدالعزيز قائداً يحمل رؤية عميقة، وفي شعبه عزيمة نادرة، تؤهلهم لبناء وطن يكون محور توازن وأمن عالمي".

إن اليوم الوطني ليس مجرد احتفال بالرايات والأهازيج، بل هو محطة لتجديد العهد مع القيم التي قامت عليها المملكة: الإيمان بالله، وحدة الصف، والعمل الجاد. وهو أيضًا مناسبة لاستحضار جهود الرجال والنساء الذين ساهموا في صناعة هذا الوطن، من جيل المؤسس وحتى جيل الشباب الطامح اليوم، فالأمة التي تحفظ تاريخها وتستلهمه، هي ذاتها التي تُبدع حاضرها وتصنع مستقبلها بعزم لا يلين.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد