الغضب الإيجابي قد ينظر إليه كحالة مثالية غير واقعية لأنه يكون أحيانًا وليد اللحظة، ولا مجال وقتها للتفكير في حلول أخرى. الأكيد أن اختفاء الغضب أمر مستحيل، لا يوجد إنسان لا يغضب، التحدي هو كيفية تحويل الغضب بعد التأمل إلى سلوك إيجابي وحلول تربوية أو اجتماعية أو سياسية بدلاً من التسرع في اتخاذ القرار..
لا يمكن وقف مسببات الغضب؛ لأن الإنسان معرض في حياته وتعاملاته وعلاقته بالآخرين لمواقف كثيرة تجعله يفقد السيطرة على ردة الفعل فيحول مشاعره إلى أقوال أو أفعال قد يندم عليها لاحقاً، أو لا يجد الفرصة حتى للندم أو الاعتذار.
يحضرني مثال حديث؛ وهو تصرف أستاذ جامعي أميركي لجأ إلى تحطيم جهاز آيباد إحدى الطالبات بسبب انشغالها به أثناء المحاضرة، وهو مثال على معالجة الخطأ بخطأ أكبر تحت تأثير مشاعر الغضب.
يمكن تبرير غضب الأستاذ، ولكن التصرف أو اتخاذ القرار تحت تأثير الغضب قد ينتج عنه عواقب مؤلمة، كان على الأستاذ أن يفكر في حلول أخرى ذات تأثير إيجابي، المتلقي (الطالبة) قد تكون غير مستمتعة بالمحاضرة، ولكن هذا لا يبرر انشغالها بموضوع آخر، من الطبيعي أن يتذمر المتحدث سواء في محاضرة أو اجتماع أو حتى جلسة أسرية أو جلسة اجتماعية حين يكون أحد الحضور في عالم آخر.
ومن آداب الجلسات الاجتماعية توجيه المتحدث كلامه للجميع حتى لو ذكر أحدهم بالاسم، وفي هذا رسالة ودية لجميع الحاضرين تدعوهم للاستماع كما تعبر عن احترام المتحدث لهم.
في حالة الأستاذ الجامعي الغاضب لم يكن غضبه موجهاً للطالبة فقط وإنما يبدو أنه يحتج بطريقته الخاصة على التقنية التي تدخلت في العلاقات الإنسانية المباشرة وكأنه يقول: لم يعد لعملي معكم مبرر وليس لكم حاجة بي، لقد سرقكم مني الذكاء الاصطناعي وفشلت في المنافسة.
الغضب لا يأتي من فراغ، المسببات لا حصر لها، عدم السيطرة على الغضب قد يولد مشكلات كبيرة من مشكلة صغيرة أو خطأ غير مقصود، يواجه الإنسان مواقف كثيرة داخل الأسرة، في الشارع، في العلاقات الاجتماعية، وفي مواقع العمل، مواقف تتطلب التحكم في ردود الأفعال وعدم التسرع في إصدار الأحكام أو القرارات.
حالة الأستاذ الجامعي مع الطالبة هي مجرد مثال يذكرنا بالحديث عن هذا الموضوع، لأن الإنسان يمر بمواقف كثيرة تتطلب التعود على إدارة الغضب، لأن ترجمة الغضب إلى سلوك عنيف أو أقوال مؤذية قد يؤدي إلى نتائج مؤلمة.
القرارات تحت تأثير الغضب قد تؤدي إلى أزمات اجتماعية أو سياسية أو حروب، وعند المراجعة والـتأمل تتضح إمكانية اتخاذ قرارات وحلول أخرى، ثمة حالات غضب بمبررات غير مقنعة وأحياناً تكون مصطنعة كي يظهر صاحبها بشخصية مختلفة.
هل هناك غضب إيجابي؟ نعم، وهذا يتطلب التدريب والاستشارة، والتركيز على التفكير الإيجابي المتمثل في إيجاد الحلول والبدائل، والالتزام بالتنظيمات والمعايير والقوانين التي تطبق على الجميع، وعدم التعامل الشخصي مع حالات هي من اختصاص الأجهزة الرسمية مثل: المخالفات المرورية، الغضب الإيجابي غضب حكيم والوصول إلى هذه المرحلة من السلوك هدف لا يتحقق بسهولة، ومن متطلباته توفر الرغبة والإرادة والصبر والتدريب والاستشارة.
الغضب الإيجابي قد ينظر إليه كحالة مثالية غير واقعية لأنه يكون أحياناً وليد اللحظة، ولا مجال وقتها للتفكير في حلول أخرى، الأكيد أن اختفاء الغضب أمر مستحيل، لا يوجد إنسان لا يغضب، التحدي هو كيفية تحويل الغضب بعد التأمل إلى سلوك إيجابي وحلول تربوية أو اجتماعية أو سياسية بدلاً من التسرع في اتخاذ القرار. الغضب الإيجابي هو التعامل بالفكر مع الحالات المسببة للغضب، ليس بالصراخ ولا العنف ولا التسرع في اتخاذ القرارات، القيادات السياسية والإدارية والتربوية بالفكر والتأمل والحكمة تمنع حدوث الحروب والأزمات والانتكاسات التربوية والاجتماعية وتحفز على التفكير الإيجابي الذي يبدع في تحويل الأخطاء أو المشكلات أو الفشل إلى نجاح، وهو أمر يحدث على مستوى الفرد والمجتمع.
في المجال التربوي وخاصة في التعامل مع الأطفال حيث مرحلة بناء الشخصية وزرع القيم لن يكون التعامل مع الأخطاء بالغضب لأن الأخطاء وسيلة للتعلم وليست فرصة لتنفيذ العقاب.