قبل نحو عقدين من الزمن وضع زميل قريب تعريفا شخصيا لي كإعلامي على موقع ويكيبيديا الشهير، مع إصراري أنني لم أصنع شيئا يستحق أن يشار إليه، لا.. أن ينشر.. وهي "حقيقة وليس تواضعا".. وبدون علمي أضاف كلمتين مشيرا إلى القبيلة التي أنتمي إليها، وهنا بادرت أنني لم أتعود أن أشير إلى مثل ذلك في حياتي الخاصة فكيف من على موقع يطّلع عليه الجميع، لكن صديقي أصر على أن سبب إضافتها لأن اسمي العائلي منتشر بين عدة مناطق وبانتماءات مختلفة وكان تحديد هويته أفضل، استسلمت للأمر مادام أن ليس فيه تفاخر أو خُيلاء!
الآن استرجع ذلك نادما وأنا أطّلع بين الحين والآخر على تراشقات تعصبية قبلية بكل أسف ينجرف خلفها كثيرون بتنافر أكبر، وبما يجعلها موصّلا جيدا للفرقة والكراهية، وكأن بعضنا مازال يرضع ثدي التعصب للتغلغل أكثر وبما يؤثر على ارتقائنا كمجتمع راقٍ متحضر.. تلك الأعراف البالية جدير أن نقف جميعا ضدها، نقتلع جذورها، نرفض معاداة الآخر وإثارة النعرات المتعلقة بها سواء من خلال برامج الشعر أو المناسبات وغيرها، وكل ما يتنافى جداً مع ما يحتاج إليه عصرنا هذا، بل يتصادم معه، لأن زمننا المتطور يفرض مراجعة المواقف والاختيارات حتى تلك التي كنا ننظر إليها إلى ما قبل عقود قليلة على أنها أساسية ومهمة للحياة الاجتماعية باتت تحتاج إلى تغيير أو تطوير.
لنعترف أن هناك قلة ممن يريد مظلة مشوهة سواء كانت قبلية أو دينية في زمن لا مظلة فيه الا الوطن.. يحدث هذا ونحن ندرك أن هناك من هم حولنا من العرب فعلت النعرات القبلية والطائفية فيهم ما فعلت حين وجدت من يلهبها ويزيد من تفعيلها.. وهو ما يقودنا نحو الحاجة إلى سلوك وطني جمعي راق، يرفض وينزع كل الانتماءات وحصرها في الوطن.. وجعل الحياة المدنية أكثر تداخلاً.. لا عبئاً بالتجمعات والبرامج والشعر حتى من خلال المستندات الرسمية تلك التي تغص بكل الأجداد والفروع والقبيلة!
أعلم أن هناك من لن يعجبهم ذلك وفق أن ما انتقدته حقائق قديمة مستمرة في بلادنا يصعب تغييرها، لأقول إن ذلك زمن مختلف والآن نحن إزاء آخر ولا سبيل لبعثرة انتمائنا وفق جزئيات يمكن الاستغناء عنها وكأنها أهم من الوطن، لنصحو على استفهام كبير عن قيمة الوطن.. لأقول لكل من يريد أن يتهمني بالجهل والقصور الفكري والخروج على الأعراف هل آنَ لنا أن نتغير، ننتزع الإنسان المتعصب الذي في دواخل بعضنا؟ ذلك الذي ما زال يرى في القبيلة ملاذا أهم من الوطن؟
الأهم في القول؛ نحن في زمن العهد الجديد للقائد الملك سلمان بن عبدالعزيز وسنده ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -حفظهما الله-.. اللذين خلقا فكرا سعوديا جديدا لا يرفض الماضي والمكونات المستمرة منه والاعتزاز به، بل يصونه وفق اعتبارات أن الوطن أولا.. وثانيا بناء الدولة الحديثة التي يتساوى فيها الجميع.. ونحمدالله كثيرا أن أجيالنا الحديثة أكثر تعلقا بوطنها وقادته، لذا صنعت ثقافة التطور والإنجاز متحدة في مسيرتها بنبراس الفكر الشاب الذي يقوده قائد الشباب محمد بن سلمان ليكون النتاج فكرياً واقتصادياً وسياسياً -ومن خلال سنين قليلة- عظيماً.