زعيمٌ ضعيف - كان هذا الوصف الذي أطلقته، ذات يوم، على ادعاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنه رجلٌ قوي، وذلك في أثناء ولايته الأولى، التي اتسمت في الواقع بتراجع الرئاسة الإمبريالية. اللافت، أن الرئيسين باراك أوباما وجورج دبليو. بوش حققا نجاحاً أكبر بكثير في ترسيخ السلطة الرئاسية، وقد أثبت ترمب، في نسخته الأولى، أنه يبقى من الممكن كبح رئيس عديم الخبرة وغير كفؤ، تماماً مثلما حدث مع الشخصية الخيالية غاليفر.
في المقابل، نجد أن ترمب، في نسخته الثانية، ليس ضعيفاً ولا مقيداً، وإنما تتسم رئاسته بطابع إمبريالي. ويمكننا الدخول في جدال حول كيف تبدو هذه الرئاسة لدى مقارنتها بفترات ذروة القيصرية الرئاسية السابقة - لا يزال فرانكلين روزفلت من يحدد المعايير - لكن تظل الحقيقة أن الولاية الثانية لترمب تجاوزت الرئاسات السابقة لها في السنوات الأخيرة، من حيث الصلاحيات التي ادعاها لنفسه، ومارسها من دون أن يواجه معارضة حقيقية.
الآن، يبقى السؤال الوحيد القائم ما إذا كان هذا التغيير دائماً، وما إذا كان من سيخلفون ترمب في سدة الرئاسة (من أي من الحزبين) سيعززون هذه الصلاحيات، أو ما إذا كانت هذه النسخة من الرئاسة الإمبريالية تتطلب رجلاً بمواصفات خاصة يدفع به القدر، وستتلاشى في أيدي السياسيين العاديين.
ومن المفيد هنا تصنيف الصلاحيات. أولاً: تلك الصلاحيات التي ادّعى ترمب أحقيته في ممارستها في إطار السلطة التنفيذية - صلاحيات على الدولة الإدارية، والوكالات والمعيّنين، وتقديم المنح. وتحظى هذه الصلاحيات بالضمانة الدستورية الأوضح، وقد صادقت عليها المحكمة العليا جزئياً، وأثارت ممارستها موجةً من الاحتجاجات، لكنها لم تُثِر ردود فعل سياسية حادة، وسيحرص أي رئيس في المستقبل من الحزب الديمقراطي على استخدامها لإلغاء ما فعله ترمب. وكل هذه أسباب تدفعنا إلى توقع استمرار وجود نسخة من «السلطة التنفيذية الموحدة» التي اتسم بها عهد ترمب.
ثانياً: الصلاحيات التي ادّعى ترمب امتلاكها في مجالات تنازل فيها الكونغرس بالفعل عن بعض مسؤولياته، لكن لم يحاول أي رئيس سابق تشديد قبضته عليها بمثل هذه القوة.
ويُعدّ الهجوم العسكري، الذي جرى شنه الأسبوع الماضي، ضد قارب يُزعم أنه كان يحمل مهربي مخدرات فنزويليين مثالاً جيداً. في الواقع، لطالما تولّت الرئاسة صلاحيات واسعة لشنّ حروب صغيرة واستهداف الإرهابيين من دون إذن مباشر من الكونغرس. ومع ذلك، فإن شنّ حرب غير معلنة ضد تجار المخدرات يُعدّ بمثابة مزيد من الافتئات على السلطة، يفتقر بشكلٍ واضح إلى المبررات القانونية.
وينطبق الأمر ذاته على تعريفات ترمب الجمركية؛ فقد تنازل الكونغرس عن بعض صلاحيات فرض التعريفات الجمركية للبيت الأبيض، وقد استغل رؤساء سابقون هذا الامتياز بكل سرور. ومع ذلك، تبدو حرب ترمب التجارية أشد غرابة، ومبرراتها القانونية أكثر تكلفاً، وتداعياتها على الاقتصاد أشدّ وطأةً.
والآن، هل ستدوم هذه التصعيدات؟ في الحالة الأولى، ثمة شكوك حقيقية حول إمكانية أن يقدِم الكونغرس على تقييد سلطات الحرب الرئاسية بشكلٍ جدّي. قد يبدو التحول من «الكونغرس وحده يُعلن الحرب» إلى «الرئيس يستطيع مهاجمة من يشاء تقريباً خارج حدود البلاد» أقل جلاءً في ظلّ رئيس تنفيذي أقلّ عدوانية، لكنني لا أتوقع أن تُسفِر حرب ترمب على المخدرات، التي تُشكّل سابقةً من نوعها، عن تراجع أو توجيه توبيخ إلى الرئيس.
مع الرسوم الجمركية؛ ونظراً لعدم شعبيتها، من المتوقع أن يفرض الكونغرس المستقبلي قيوداً أشد صرامة على الحروب التجارية الرئاسية. إلا أن هذا سيتطلب على الأرجح تعاون رئيس مستقبلي، والذي قد يبدو له الوعد بتدفق الإيرادات من جانب واحد جذاباً دائماً. ويشير ذلك إلى أن مستقبل هذا الافتئات على السلطة سيعتمد بشكل أساسي على قرار المحكمة العليا برفضه أو تقييده.
وأخيراً، لدينا الصلاحيات التي استخدمها ترمب على نحو مؤقت مشكوك في قانونيته؛ بناءً على نظرية مفادها أنه بحلول الوقت الذي يجري فيه إلغاء خطواته أو تتعرض حججه القانونية للرفض، ستكون هذه العملية قد أدت دورها السياسي بالفعل.
تشمل هذه الفئة كل شيء، من هجماته على شركات المحاماة والجامعات، إلى ابتزازه الضمني لبعض قادة الشركات، إلى عمليات إلغاء التأشيرات والترحيل المختلفة التي لم تصمد أمام المحاكم، وصولاً إلى احتمال استخدامه القوات الفيدرالية في مدن مثل لوس أنجليس. في هذه الحالات، يُثبت ترمب أن السلطة التنفيذية قادرة على فعل الكثير قبل أن تُلاحقه القيود الدستورية. ويُظهر رد الفعل المتمثل في استعداد بعض المؤسسات للموافقة على خطوات ترمب، وجود شكل حقيقي من أشكال القوة هنا.
ولذلك؛ سيكون من المغري للغاية للرؤساء المستقبليين تقليد ترمب. إلا أن هذا تحديداً المكان الذي تبرز فيه صفات ترمب الشخصية بشكل حاسم: جرأته الشخصية واحتقاره الأعراف المؤسسية، وقدرته على تحييد منافسيه داخل الحزب، ودفع المتملقين عبر مراحل عملية التصديق على المرشحين لمناصب، وثني مبادئ من حوله. في الواقع، لست على ثقة من أن عضواً آخر من الحزب الجمهوري، مهما كان شعبوياً، سيحرز القدر ذاته من النجاح، وكذلك الديمقراطي العادي. الحقيقة أن بعض قوة ترمب نابعة من قوته الخاصة.
ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن ترمب لن يترك إرثاً إمبريالياً عميقاً. ولكي يختفي هذا الإرث بطريقة ما، سيحتاج الأمر ليس فقط إلى كبح جماحه، بل إلى إنزال هزيمة ساحقة به، عبر مزيج من التجاوزات الجامحة (الدخول في مواجهة مع المحكمة العليا؟) وكارثة سياسية (ركود عميق؟).
وإلا، فحتى لو ترك منصبه من دون شعبية، وحتى لو كان الرئيس القادم من الحزب الديمقراطي، فإن هذا النموذج من السلطة التنفيذية من المرجح أن يستمر لفترة أطول من القيصر الذي أنشأه.
* خدمة «نيويورك تايمز»