: آخر تحديث

أدباء الميلاد المجيد... والكافيار في المباركية!

2
2
2

محمد ناصر العطوان

عزيزي القارئ، هذا مقال ساخر في هوس الترجمة وموت العربية على أيدي حراسها! ولذلك أرجو ألّا تعتبر هذا المقال موجها إليك، ولكنه موجه للسادة الأدباء الذين يحبون أكل الكباب في أوروبا، وأكل الكافيار في المباركية... هذه رسالة مسجلة.

لطالما أثار إعجابي ذلك المشهد المتكرر في عالمنا الأدبي العربي العجيب. أديب عربي فصيح، يُحاضر عن جماليات اللغة وضرورة الحفاظ على نقائها، ويلعن في السر والعلن الذين يكتبون بالعامية، ثم يُرسل لزميله لمناسبة «سنة جديدة» من عمره: «ميلادٌ مجيدٌ يا عزيزي»... قف دقيقة! ميلادٌ مجيد؟

ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد. فإذا حلَّ الفرح، نسمعهم يهتفون «تهانينا القلبية» كأنهم أبطال روايةٍ تاريخية، منقولة بترجمة ركيكة عن الفيكتوريين!

وإذا نزلت المصيبة، وانتقل أحدهم إلى جوار ربّه، ترى التعازي تُغرق صفحته: «فلترقد بسلام» و«تصاحبك الرحمة»، وكأننا في مشهدٍ من فيلم غربي عن القرون الوسطى، لا في ثقافة إسلامية عربية تقول ببساطة وبلاغة «إنا لله وإنا إليه راجعون»، «عظم الله أجركم»، و«غفر الله له ورحمه».

وربما من العجب العجاب أيضاً... هم أنفسُهم أولئك الذين يولولون على جثة العربية الفصحى في مؤتمراتهم، ويطالبون بحمايتها من «الابتذال» و«الرطانة» الدخيلة! تجدهم يكتبون روايات ومقالات وقصصا قصيرة لا تُخاطب قضايا «الشارع العربي» بقدر ما تُخاطبُ أذواق «ناقد غربي» في باريس أو لندن، حالمين بنشر في دار أوروبية تمنحهم «الشرعية» الدولية! فهل يُترجمون أحلامهم أيضاً حرفياً؟ «حلمٌ سعيدٌ» (Sweet Dream)؟

السخرية التي تُخفي جرحاً في هذه الظاهرة ليست مجردَ لغو مضحك، بل هي عقدة نقص مُرَكبة... شعورٌ بأن الغربيَّ أفضل، حتى في تعبيره عن مشاعره البسيطة... فبدلاً من استلهام كنوز لغتنا في التهنئة والتعزية («بارك الله في عمرك»، «جبر الله مصابكم»، «تقبل الله طاعتكم»)، نستعير قوالبه الجاهزة ونُلبسها ثوباً عربياً ركيكاً... انفصامٌ ثقافيٌّ خطير بين الهوية المُدَّعاة والسلوك اللغوي اليومي.

ندَّعي الحفاظ على التراث ونحن نُفرِّغ كلماتنا من روحها وجذورها... موت بطيء للعفوية والخصوصية وتحويلُ المشاعر الإنسانية البسيطة إلى طقوس ممسوخة بلا معنى، تفقد دلالتها الثقافية والدينية.

يا سادة الأدباء! يا أعضاء الروابط الأدبية ولجان التدقيق في النصوص يا من تدَّعون حراسة اللغة!

كفانا استهلاكاً للمشاعر بلغة مستوردة ومُغْرَبة! لغتنا العربية ليست مجرد «فولكلور» نُظهره في المؤتمرات، بل هي وعاءُ فكرنا وشعورنا وهويتنا.

«الميلاد المجيد»، قد يصلح لمناسبة دينية، و«الراحة بسلام» قد تصلح لفارس في قصر إنكليزي، أما نحن فعندنا «تقبل الله طاعتكم» و«جبر الله مصابكم» و«بارك الله في عمرك» و«غفر الله لميتكم»... كلمات تحمل في طياتها فلسفةً ودعاءً وروحاً إسلاميةً عربيةً لا تحتاج لترجمةٍ ولا تقليد أعمى.

لنكتب لمجتمعاتنا بلغتنا، ولنشعر بمشاعرنا بكلماتنا، ولنضع حداً لهذه المهزلة التي تجعل من أكثرنا حرصاً على العربية، أكثرنا قتلاً لها بالترجمة الركيكة والحلم الغريب! فلنُصلح شأننا، قبل أن تصبح تهانينا كلها «ميلاداً مجيداً»... حتى في عزّ تشرين!

هذه العبارات ليست «انفتاحاً ثقافياً»، بل دليل عجز عن استحضار كنوز العربية واستسهال للتقليد الأعمى! الأكثر تهكُّماً أن صاحب «ميلادٌ مجيدٌ!» هو نفسه من يكتب مقالاً غداً عن «موت العربية»! فهل يعقل أن «حراس اللغة» هم طابورها الخامس؟!

و«لا تَلُوموا العامية إذا طعنت الفصحى... فالذي طعَنها بالسيف هو حارسها!»

فلنعود إلى جمالية البساطة في لغتنا: «مبارك»، «فرحانين لك»، «الله يبارك فيك»، «حمداً لله على السلامة»... فالعبرة ليست في «الأناقة المستوردة»، بل في الصدق والهوية...

وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر... وكل ما لا يراد به وجه الله... يَضمحل.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد