محمد الرميحي
تمت الانتخابات البلدية البريطانية في مايو الماضي، وحصل حزب الإصلاح على أغلبية مقاعد البلديات، وحزب الإصلاح هو حزب جديد، أنشأه نايغل فراج، الذي انشق عن حزب المحافظين، وكان من أبطال الدعوة لخروج بريطانيا من السوق الأوروبية المشتركة، ولكنه فشل في الكثير من الملفات لاحقاً، ثم ظهر من جديد من خلال هذا الحزب، الذي حصل على عدد محدود من المقاعد في البرلمان البريطاني الصيف الماضي.
الآن المراقبون دهشوا من السرعة التي توسع بها هذا الحزب، بعد أشهر فقط، وسبق حزبي المحافظين والعمال (وهما الحزبان الكبيران) في المملكة المتحدة. وفي بلدان أوروبية أخرى، مثل ألمانيا ورومانيا، تصعد أيضاً على السطح السياسي المجموعات المتعصبة، وتضرب أوروبا تقريباً موجة تعصب، تشابه الموجة في الولايات المتحدة.
تغادر شعوب كثيرة منصة الليبرالية وقبول الآخر، إلى مكان من التعصب، وحتى العنصرية، وهي أصبحت اليوم من أهم الظواهر الاجتماعية السياسية في عصرنا الحديث، حيث تفشي العنصرية، وحليفها التعصب ضد الآخر، وهي ظاهرة اجتماعية اقتصادية معقدة، تعود جذورها إلى التاريخ الإنساني، وتتغذى على مجموعة من العوامل النفسية والثقافية والسياسية، وأسبابها مختلفة من مجتمع إلى آخر، ولكن عناصرها الأساسية تقريباً متشابهة.
العنصر الأول، هو الجهل والاعتقاد بالتفوق، فيعتقد البعض في المجتمع الواحد، أن عرقهم أو جنسهم أو دينهم أو مذهبهم أو آراءهم، أرقى من غيرهم، وأنها صحيحة دائماً، وهو اعتقاد مبني على الجهل، وانعدام الفهم العلمي والثقافي للتنوع البشري، والاجتهادات المختلفة التي مرت بها التجارب الإنسانية.
العنصر الثاني، هو التنشئة الاجتماعية، أي التربية داخل المنزل وفي الجوار، وفي المجموعة الاجتماعية الأولى، سواء كانت أسرة ممتدة أو قبيلة أو طائفة. هذه التنشئة تزرع التحامل ضد الآخر المختلف، وتملأ قلوب الناشئة بمشاعر الكراهية والتمييز في الطفولة المبكرة، أو في المقاعد الدراسية.
العنصر الثالث، هو الخوف أو التخويف من الآخر، فظاهرة العنصرية والتعصب غالباً ما ترتبط بالخوف من المختلف، سواء كان هذا الاختلاف في اللون، أو الدين، أو الثقافة، أو حتى الاجتهاد في الرأي.
العنصر الرابع، هو الصراعات الاجتماعية والاقتصادية، وعادة ما تتفشى العنصرية في أوقات الأزمات الاقتصادية، وتحمّل المجموعات الأخرى (أي الآخر المختلف) في المجتمع، مغبة هذه الأزمات ومسؤولية تدهور الاقتصاد، الذي يشعر به قطاع واسع من الناس، وأن هذا التدهور أساسه الآخر الشريك في المجتمع، ولكنه المختلف في الدين أو اللون أو الثقافة.
العنصر الخامس، هو الإعلام الموجّه، إذ إنه كلما كان الإعلام موجهاً، وسقف الحريات فيه متدنياً، ساهم في ترسيخ الصورة النمطية عن الجماعات المختلفة، ما يعزز الشعور بالتفرد!!
تتوجه القوى السياسية، بشكل عام، لاستخدام العنصرية، وسيلة لتعبئة الجماهير، فبعض السياسيين يستغلون العنصرية لكسب تأييد فئات معينة من المجتمع، عبر تأجيج المشاعر، إما القومية أو الدينية أو المذهبية أو الثقافية، وإلهائهم عن الأزمات الحقيقية التي تواجه المجتمع، وتخدم الخطاب العنصري، بصرف النظر عن حقيقة المشكلات الاقتصادية، أو الفشل في السياسات الداخلية، أو من أجل تأخير إصلاحات مستحقة في المجتمع، لذلك تبنى ما يسمى (بالهوية الموحدة)، ويتم تصوير الآخر كتهديد لهذه الهوية، في حين أنه لا يوجد في أي مجتمع بشري (هوية موحدة) أو (هوية ثابتة)، ولكن تقسيم المجتمع (هويات متناقضة)، من أجل إضعاف التضامن الشعبي العام، وتقسيمه إلى مجموعات متناحرة، على قاعدة تسويق الهوية، من أجل السيطرة عليه.
في حالة حزب الإصلاح البريطاني، فقد قدم وعوداً للناخب البريطاني، يرى كثير من المحللين أنه لا يستطيع أن يفي بها، حتى على مستوى البلديات المحلية، ولكن ذلك لن يكتشف إلا بعد وقت طويل. لقد استخدم هذا الحزب وأمثاله من الجماعات المتعصبة والعنصرية الخطاب الشعبوي، ومفاده أن المشاكل التي يمر بها المجتمع الغربي ناتجة من الهجرة. ومن المفارقات، أن الرئيس التنفيذي لحزب الإصلاح، هو شخص مليونير من المهاجرين من شبه القارة الهندية!! فالظاهرة اللافتة للنظر، أن كثيراً من المهاجرين القدماء في الغرب، يتبنون العنصرية ضد المهاجرين الجدد، وهذا واضح أيضاً في المجتمع الأمريكي، الذي بني أساساً على الهجرة، ولكنه في أغلبه يناهض الهجرة الجديدة!!