* * *
على الرغم من كل الصفات الطيبة، التي نغرم بإطلاقها على مجتمعنا، وحنيننا إلى الماضي الجميل، فإننا، في الحقيقة، لا نختلف كثيراً عن المجتمعات الأخرى، حتى المتقدمة منها. فمشاهدة واحدة لحفلات الاستقبال والولائم، التي كان البعض يقيمها لـ«شخصيات» المجتمع، تبيّن لنا أن أغلبية المدعوين لها، إن لم يكن كلهم، لا يكترثون حقيقة بالبحث في خلفية الداعي، حتى لو كان من الذين «يفتقدون الوجه في المقعد، ولغيره في المرقد»، وتجاهل كل ما حام من الشكوك حول صحة شهاداتهم الدراسية، التي يدّعون حملها، ومصدر الملايين التي يتصرفون بها، وحقيقة الألقاب «العلمية»، التي يصرون على إطلاقها على أنفسهم، فنظرة تدقيق واحدة كفيلة بأن تبيّن لكل هؤلاء أن حياتهم لم تكن إلا سلسلة من الغش والخداع والادّعاءات الكاذبة.
لقد حصل الكثيرون على جنسية الدولة، إما بالشراء وإما بالتزوير وانتحال شخصية الغير، وإما من خلال علاقات قبلية أو طائفية، سهَّلت تدخل نواب هذه الجهة أو تلك لدى كبار المسؤولين، و«تمكين» مَن لا يستحق في الحصول على جنسية الدولة، وبناء إمبراطورية أعمال، وعلاقات عامة، ومؤسسات إعلامية، وتعليم عالٍ، من دون امتلاك أدنى مقومات ما تتطلبه إدارة أو امتلاك مثل هذه الأنشطة من شروط ثقافية وتعليمية وشخصية، واستقامة وسمعة طيبتين!
* * *
قامت الدولة أخيراً بإسقاط جنسية مواطن وكل أبنائه، وكان بينهم من امتلك أنشطة عدة، منها مؤسسة تعليمية، سبق أن انتقدنا طريقة إدارتها، وما رافق أنشطتها أخيراً من برامج ومناسبات وتوزيع جوائز وألقاب علمية فخمة، من خلال استضافات «دولية مفبركة»، ورخيصة، وكان السقوط محتماً، لكنَّه، مع الأسف الشديد، تأخَّر كثيراً، كما لم يأتِ نتيجة جهود الجهات المعنية في التعليم العالي، والأمانة العامة للجامعات الخاصة، بل جاء نتيجةً حتميةً لسحب جنسية صاحبها. فلو كان هناك نظام رقابي صحيح على مؤسسات التعليم، لكان بالإمكان إنقاذ مستقبل الكثيرين ممّن التحقوا بها، لثقتهم بالأجهزة الرقابية، لكن القرار الأمني «عفّس السالفة»، وتسبّب، بطريقة غير مباشرة، في وقف ابتعاث الحكومة للطلبة إليها، وقطع شريان الحياة عنها. علماً بأن قرار «وقف الابتعاث» صدر من الأمانة العامة للجامعات الخاصة، التي تتحمّل، هي ووزارة التعليم العالي، كل أوزار تلك المؤسسة، فمن سيعوض طلبتها عن السنوات الغالية، التي ضاعت من أعمارهم؟!
أحمد الصراف