أرغم الرئيس حافظ الأسد اللبنانيين على أن يكرروا كل يوم (أو ساعة) لازمتين: «شعب واحد في بلدين»، و«علاقات مميزة»، ولا حاجة بعدها إلى إكمال الفرض: «ورئيس واحد في دولتين».
جميع دول الجوار في العالم تعاني من حساسيات الأخ الأكبر عبر التاريخ: الألمان والفرنسيون. الفرنسيون والبريطانيون. الآيرلنديون والإنجليز. إلخ. لكن لا شيء يشبه التكاذب القائم ضمن العلاقة المريرة بين دولة تعتبر لبنان جزءاً مغتصباً منها مثل فلسطين، وسليباً مثل التي ضمها الفرنسيون إلى تركيا.
حتى مجيء حافظ الأسد إلى السلطة، أبقت حكومة دمشق على شيء من الشكليات في التعامل مع بيروت. ولكن على أساس دولة ملحقة بلا أي سيادة: لا سفراء، لا ممثلون دبلوماسيون. وإذا ما طرأ خلاف أو نزاع يكلف النظر فيه الجيش العربي السوري. ذات يوم دخل لبنان 7 آلاف جندي عربي سوري دون أن يبلغوا مخفر الحدود. ومن أجل تنظيم العلاقات بين الدولتين الشقيقتين، أقامت سوريا «مركزي استطلاع» في بيروت وعنجر. منهما تدار العلاقات المميزة.
مع الوقت اعتاد الجميع هذا الوضع المريح: يحمل اللبنانيون اللقب، ويحمل السوريون المسؤولية. وصارت الحكومات تؤلف في الشام، وتعلن في بيروت. وكذلك الرئاسات، على طبقاتها. وحاكمية البنك المركزي. وإدارة التبغ والتنباك. وتعيينات الشرطة البلدية.
وكان للعلاقة نجومها وأركانها. وتسابق الإخوة اللبنانيون في تأكيد الولاء والوفاء. وكان أشهر من تولى العلاقة في ذروتها السيد نائب الرئيس عبد الحليم خدام. وكان سيادته سليط اللسان، مقذعة، يتمتع بمتعة نيرفانية بالتلذذ في بهدلة اللبنانيين، كما كان معظم هؤلاء يبلغون ذروة النشوة كلما عثر أبو جمال على مفردة مهينة من العبارات الريفية العجراء.
المشكلة الكبرى كانت عندما يواجه أبو جمال شخصاً لم «يتبلد». حدث ذلك عندما التقى خدام وزير الخارجية اللبناني الدكتور إيلي سالم، في حضور الأمير سعود الفيصل، ورفيق الحريري. يصف الدكتور سالم في مذكراته «الفرص الضائعة» حرفياً ما حدث في ذلك الاجتماع.
إلى اللقاء...