التغيير سُنّة من سنن الحياة، فحياة الأفراد تمر بالغنى والفقر، والجهل والعلم، والضعف والقوة، والجاه وعدمه، ولكل مرحلة أصدقاؤها وأعداؤها، وما ينطبق على الأفراد ينطبق على الدول مع اختلاف بسيط، هو طول النفس في سياسات الدول وتدرج التغيير، فمثلاً، حينما كانت بريطانيا تُسيطر على نصف الأرض، وفرنسا مثلها، وكانتا الدولتين الأُوليين في العالم، أصبحتا بعد ضعفهما وبعد الحرب العالمية الثانية، دولتين من الدرجة الثانية، ليصعد نجم الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي بوصفهما دولتين من الدرجة الأولى.
بريطانيا وفرنسا أدركتا التغيير، وانضويتا تحت جناح الولايات المتحدة الأميركية. في المقابل، نرى بعض الدول الإقليمية لا تُدرك التغيير، وترى نفسها أحق بقيادة الإقليم، رغم أن قوتها الاقتصادية هبطت للحضيض، فبعد أن كانت دولة مانحة أصبحت دولة متسولة تعتمد على المعونات، ورغم اعتمادها على المعونات لم تُحسن صرفها على تطوير اقتصادها وخروجها من مأزقها الاقتصادي؛ بل كان الصرف عشوائياً، حتى اتُّهمت بأن هذه المعونات لم تصل إلى مستحقيها من الشعب، بمعنى أن الفساد مُستشرٍ، حتى إنها تُنهب قبل وصولها إلى مستحقيها.
هذا الفساد أدّى لإضعاف الاقتصاد، وإضعاف منظومة التعليم، بل إضعاف منظومة الدولة بشكل عام، حتى إنها أصبحت لا تفي بالتزاماتها، سواء المالية أو السياسية، ومن الطبيعي أن الدولة التي تأخذ لا بد أن تعطي على الأقل، أن تعطي الولاء والمساندة السياسية.
مثل هذه الدول لم تُدرك التغيير، لترى أن دولاً أخرى في الإقليم سبقتها في الميدان الاقتصادي والتعليمي والسياسي، وأصبحت عواصمها منارات للاقتصاد، تتقاطب عليها كبرى شركات العالم، ومنارات سياسية تُعقد فيها المؤتمرات لأهم زعماء العالم، ومنارات ثقافية تُصدّر المؤثرين في الصحافة والفكر، هذا أدّى إلى اختلاف مراكز القوى، ليهرع إليها الراغبون في تعديل ميزانهم التجاري، والراغبون في الاستقطابات السياسية المؤثرة.
حينما تُدرك الدول التغيير الذي حصل فإنها تتكيّف معه لمحاولة تحسين اقتصادها الذي هو عماد أي دولة، لتصل إلى مركزها السابق من حيث القوة في التأثير، فالاقتصاد عماد الحياة، وأساس قيام الدولة واستمرارها.