: آخر تحديث

الرابحون والخاسرون من خطة ترامب

2
2
2

عماد الدين حسين

ما النتائج السياسية والاستراتيجية المتوقعة في حال تنفيذ خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن اليوم التالي في قطاع غزة بالصور التي عرضها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، عقب اجتماعه مع ترامب في الولايات المتحدة الأسبوع الماضي؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال الكبير، نشير إلى أن ترامب اجتمع مع قادة دول عربية وإسلامية في نيويورك الأسبوع قبل الماضي، ثم أعلن خطته التي تتضمّن إخراج حماس والفصائل من حكم غزة، وتشكيل مجلس سلام يترأسه ترامب، يشرف على لجنة تكنوقراط فلسطينية تدير غزة، وانسحاب تدريجي إسرائيلي من القطاع، لكن بشرط نزع سلاح حماس، وتدمير بنيتها العسكرية، واحتفاظ إسرائيل بحزام أمني.

وإذا كانت هناك نقاط إيجابية كثيرة لصالح إسرائيل، فهناك نقاط إيجابية قوية لصالح الفلسطينيين، أهمها وقف العدوان الإسرائيلي المستمر منذ 7 أكتوبر 2023، ووقف مخطط تهجير الفلسطينيين خارج القطاع، وتعهد الرئيس ترامب بعدم ضم إسرائيل للضفة الغربية، لكن وبعيداً عن الغرق في تفاصيل الخطة المكونة من 20 بنداً متنوعاً، من المهم البحث والتفكير في التداعيات بعيدة المدى إذا تم تطبيق الخطة بالصورة، التي تم إعلانها سواء أمريكياً أو حتى إسرائيلياً.

من مطالعة الخطة وعناوينها الأساسية سيحق لإسرائيل القول إنها انتصرت في حرب العامين من 7 أكتوبر 2023 وحتى 7 أكتوبر 2025، وذلك إذا حدث بالفعل قبول الخطة، ووقف إطلاق النار خلال الأيام أو الأسابيع القليلة المقبلة. إذا قبلت حركة حماس وبقية الفصائل هذه الخطة فسيكون ذلك إعلاناً بأنها خسرت هذه الجولة شديدة الأهمية، حتى لو تمكنت الفصائل ومعها الدول العربية من إدخال بعض التعديلات عليها.

سيحق لنتانياهو القول للإسرائيليين إن طريقته في إدارة الحرب قد نجحت، وإنه لو كان قد استجاب للأصوات الإسرائيلية أو الإقليمية أو الدولية الداعية لوقف الحرب والتوصل لهدنة طويلة الأمد مع حماس، ما كان قد حقق كل هذه الأهداف الاستراتيجية الكبرى.

سيسأل السائل ويقول وما هذه الأهداف المهمة والاستراتيجية التي حققها نتانياهو وائتلافه المتطرف؟ الإجابة ببساطة وبقراءة واقعية للحظة الراهنة أنه تمكن من إلحاق ضرر كبير بكل الفصائل في قطاع غزة، سواء على مستوى القيادات أو الكوادر والأخطر أنه دمر أكثر من 80% من القطاع، وجعله غير صالح للحياة لفترة طويلة، وصارت أكبر أمنية لدى سكان القطاع أو حتى حركة حماس هي العودة لما قبل فجر 7 أكتوبر وعملية «طوقان الأقصى».

عملياً ستتخلي حركة حماس والفصائل عن الحكم وعن سلاحها، وسيصيح قطاع غزة تحت الإشراف الأمريكي، وبإدارة دولية عربية مشتركة، كما أن إسرائيل ستحتفظ بحزام أمني حول القطاع.

هذه الخطة لن تقتصر فقط على غزة، بل إن الضفة الغربية دفعت وستدفع الثمن، وحتى لو التزمت إسرائيل بالتلميحات الأمريكية بعدم ضم الضفة فإن ما يحدث على الأرض منذ 7 أكتوبر وحتى الآن هو ضم تدريجي وهادئ للضفة، بعد أن ركزت كل وسائل الإعلام على ما يحدث من عدوان في القطاع.

سيحق لنتانياهو القول إنه تمكن من توجيه ضربة قاصمة لحزب اللّٰه في لبنان، وتمكن ليس فقط من اغتيال قائده حسن نصر اللّه وكبار مساعديه، بل واغتيال الآلاف من عناصر الحزب، وحتى بعد أن تم توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في نوفمبر الماضي، رسخت إسرائيل مبدأ حرية التدخل، وتصفية عناصر حزب الله والاحتفاظ بنقاط استراتيجية مهمة في الجنوب. سيحق لنتانياهو القول إنه أسهم بصورة كبيرة في إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا، ما قطع الطريق الممتد من إيران إلى العراق إلى سوريا، وصولاً إلى شاطئ البحر المتوسط في لبنان.

سيحق لنتانياهو القول إنه تمكن من توجيه ضربة كبيرة لإيران في يونيو الماضي، وتمكن من تعطيل مشروعها النووي ربما لسنوات، لكن الأهم أنه وجه ضربة شديدة للمشروع الإيراني، وكل القوى والدول المؤيدة له في المنطقة، الأمر الذي سيقود إلى تغيرات مهمة في موازين القوى بالمنطقة. سيحق لنتانياهو القول إن جيشه صارت له الكلمة العليا في المنطق للدرجة، التي جعلته يتجرأ ويتحدث عن خريطة إسرائيل الكبرى، لكن أليس هناك نقاط إيجابية تخص العرب والفلسطينيين في خطة ترامب؟

نعم، هناك نقاط شديدة الأهمية، منها وقف العدوان، ووقف مخطط التهجير، لكن سيقول البعض إن كل ذلك لم يكن موجوداً قبل عملية طوفان الأقصى، وبالتالي فما الذي كسبه الفلسطينيون؟ الإجابة هي أن إسرائيل استغلت عملية طوفان الأقصى، وقررت تجريب تحويل مخططات استراتيجية قديمة لها إلى التنفيذ، ونجحت إلى حد كبير، لكن وبمنطق النظرة البراغماتية فإن مجرد بقاء الفلسطينيين في أرضهم، حتى لو كانت مدمرة، مكسب استراتيجي يمكن البناء عليه وتطويره إذا أحسن الفلسطينيون إدارة الأمر بصورة عملية صحيحة، وفي مقدمة ذلك توحيد صفوفهم، وفهم الواقع، ومحاولة تغييره للأفضل بالعمل، وليس بالشعارات، وفى كل الأحوال فالمشهد في المنطقة لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد