من قام بتلك الأمور، لم يدرك، ربما، أن كل شعوب العالم، دون استثناء، مرت بتلك المراحل، وكانت شعوبها ترتدي أسمالا بالية، وكانوا يبدون، أو كانوا سيبدون مثل سكان الصحراء العربية، لو كانوا أصلا من سكان الفيافي والقفار، فهذا حال البشر، وليس في الأمر ما يعيب!
الدافع وراء ارسال أو نشر تلك الصور، الطريفة، بنظري، والمعيبة، بنظر البعض الآخر، هو للسخرية من أهل الصحراء، وغالبا حسدا، وكيف كانوا وكيف اصبحوا، غير مدركين أن الأمر لا يتعلق بهيئة الإنسان بل بالفارق الزمني. فمن شرب الماء البارد قبل غيره لا يجعله ذلك أفضل او أشرف أو اعلى أو أكثر ثقافة من غيره، والعبرة في خواتيم الأمور. فقد كانت الشام والعراق ومصر، وغيرها من دول المنطقة، وقبل ما يزيد على 60 أو 70 عاما، جنات نعيم وارفة الظلال، لكثرة ما بها من أشجار مثمرة ونباتات وأنهار وحياة اجتماعية، صاخبة نوعا ما، مقارنة بالسكون والصمت والجفاف وشظف العيش الذي كان يسود المناطق الحضرية من الجزيرة العربية، فما بالك بمن اختاروا، بملء إرادتهم، العيش خارجها، وفي صحراء مترامية الأطراف، هي الأقسى معيشة على وجه الأرض!
كنا في الكويت، غالبا ما نولي ظهورنا للجنوب، شاخصين بأبصارنا للشمال ونقول، بأسى: عمار يا البصرة! فمن ذهب لها، هربا من البيئة القاسية، فكأنه رأى شيئا من الجنة.
كما كانت السياحة إلى بغداد والشام والأردن والمدن الفلسطينية ومصر ولبنان، حلم كل أهل المنطقة. وكانت مستشفيات ومدارس وجامعات مصر ولبنان والعراق مقصدا لأبناء المقتدرين، ثم انفجر النفط في الجزيرة، مع نهاية الحرب العالمية الثانية، وقبلها في العراق وبعدها في ليبيا ومصر، فتخلى أهل الخليج عن بيوت الطين و«الوزار» وأصبحوا يرتدون الفاخر من اللباس ويسكنون الواسع من البيوت، ويتناولون الطيب من الطعام، ويقتربون، رويدا رويدا، من طريقة عيش أهالي مصر والعراق والشام، ومع الوقت وصلوا معهم لنقطة تقارب التعادل، ثم لينقلب وضع الجانبين رأسا على عقب، بعد أن فتكت الانقلابات والأنظمة العسكرية الفاسدة والجاهلة، إضافة لجهود إسرائيل ومؤامراتها، بكل أنظمتها، فتدهورت أوضاعها، جميعا تقريبا، وتصبح الدول الخليجية، الصحراوية، سابقا، بحكوماتها «العادلة» مقصدا للسياحة والترفيه، ومكانا مفضلا لقضاء الإجازات العائلية، بعد أن أصبحت توفر للغربيين، والأوروبيين بالذات، ما يبحثون عنه، أو الـ S الأربعة:
Sea, Sun, Sand, and Security أو «البحر والشمس والرمل والأمان»، وهي أمور أصبحت مهمة للجميع، في عالم السياحة. كما أصبحت المنطقة محجا للدراسة والعلاج، وأعرف أصدقاء عربا من مصريين ولبنانيين وعراقيين، اختاروا إرسال أبنائهم للجامعات الخليجية، لما أصبحت توفره من مزايا الأمان والقرب الجغرافي والمستوى التعليمي، الدائم التطور، والاعتراف الأكاديمي، إضافة للتكلفة المناسبة، مقارنة بغيرها، حتى في أوطانهم. كما اصبحت مشافيها تستقطب المزيد من الراغبين في تلقي العلاج المميز، بعد أن افتتح فيها أفضل الأطباء عياداتهم، واصبح للمستشفيات والجامعات الدولية المرموقة فروع فيها، وأصبحت مطارات بعض منها أجزاء من الولايات المتحدة، بحيث يتم ختم جواز المسافر بختم «دخول أمريكا» وهو على أرض الدوحة، مثلا!
الخلاصة: ليس مهما ما كانت عليه يوما أحوال شعب ما، بل العبرة بالنتيجة، فما وفرته حكومات المنطقة لشعوبها، هو المقياس، وليس الصور العائلية، بالأبيض والأسود، في ألبوم الأسرة القديم، التي تبين ماضيا جميلا، ربما لن يعود. ولنا عبرة بما حصل لأكبر دولتين نفطيتين، وثريتين، العراق وليبيا. و«ربما» سيبقى لبنان، بالرغم من كل حروبه وويلاته وبلاويه، الاستثناء الوحيد.
أحمد الصراف