لا تبدو المعادلة سهلة هنا، ولكنّها بنفس الوقت ليست مستحيلة. فالأمن لا يصنعه الحديد وحده، بل تبنيه العقول، العقول المتبصرة والإرادة اللتان توازنان بين الحذر والانفتاح.
في منطقتنا العربية والخليجية.. اول ما نحتاجه ان نصل الى قناعة ان المصالح لا يمكن ان نحميها فقط بالاصطفاف الأعمى خلف قوى كبرى، بل بالاستفادة من كل نقاط القوى عندنا، والقدرة على تنويع شراكاتنا وإدارة اختلافاتها بشيء من العقلانية والمنطق.. قدر الامكان.
اقتصاديا دولنا للاسف اعتادت أن تربط حاضرها وترهنه بسعر برميل النفط، رغم يقينها أنّ المستقبل قد لا يحمل الاخبار السارة دائما في هذا المجال.
تنويع مصادر الدخل، ودعم الإنسان بالعلم والعمل، والاستثمار في القطاعات الجديدة، هو من اهم شروط البقاء في عالمٍ لا يرحم الضعفاء.
لمجرد اننا لا زلنا نستورد خبزنا ونصفي ونكرر مياهنا بتقنيات وتكنولوجيا الخارج، فهذا هو الخطر المباشر.
المشاريع العربية المشتركة البعيدة عن المصالح السياسية هي ما يمكن ان يخفف من تخوفاتنا المستقبلية المرتبطة باعتمادنا شبه الكامل على الغرب، الذي كشر عن انيابه في الفترة الاخيرة وخاصة الولايات المتحدة.
ان الأوان لمشاريع عربية مشتركة تجعل من رغيف الخبز وقطرة الماء عنواناً للتضامن لا ورقة ضغط، حتى في ما بينها.
ورغم كل هذه الملفات المقلقة، يظل السؤال الأعمق: ماذا عن الداخل؟
من المستحيل ان يكون هناك أمن خارجي دون استقرار داخلي. ولا استقرار داخليا دون عدالة وشفافية وفتح أبواب الأمل للشباب.. واشراكهم في القرار، وإلا سنظل أسرى قلقنا مهما كثّفنا تحالفاتنا واتفاقاتنا.
نحن بحاجة إلى ان نصل الى يقين تام بأن الخلافات بيننا كدول خليجية او عربية او اسلامية، لا تعني أن نهدم جسورا نحن بحاجة لها.
نحن بحاجة الى مشروع يحمي مصالح الناس لا مصالح الكراسي، ويربط التنمية بالأمن، ويضع الإنسان قبل النفط.
منطقتنا العربية بعد التطورات السياسية الاخيرة وازمة غزة، هي عند مفترق طرق، إمّا أن تبقى أسيرة الأزمات، أو أن تختار أن تُصبح لاعباً يُحسب له ألف حساب.
نعم الطريق ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلا، هو يبدأ بخطوة شجاعة محورها الاعتراف بأن الاستقرار يبدأ من الداخل ولا يُشترى من الخارج.
الاستقرار يجب ان يُبنى على أرضٍ صلبة اساسها التعاون والعدل والوعي، وتغليب مصلحة الوطن على كل شيء، كل شيء.
إقبال الأحمد