: آخر تحديث

دق على الخشب

3
2
3

يعتبر «دق أو لمس الخشب»، عند سماع خبر سعيد أو صعب التصديق، أو عند تعلق الخبر بتحقيق ثروة أو بنجاح غير متوقع، رغبة في طرد الحسد. فهذه الحركة البسيطة تعتبر لدى الكثيرين تميمةً ضد سوء الحظ، ودرءاً للخطر.

عادةً ما يقول الإنكليز والأمريكيون «المس أو امسك الخشب» Touch Wood، وهي أكثر شيوعاً عالمياً من «اطرق أو دق على الخشب»، المستخدم في دولنا، وفي جميع الأحوال الدافع هو حماية صاحب الحظ السعيد، أو منع وقوع الضرر عليه، وهو تمنٍّ أو عبارة مُفعمة بالأمل. لكن من أين أتت هذه الخرافة الغامضة؟!

يشير أحد أكثر التفسيرات شيوعاً إلى عادة الطرق على الخشب إلى معتقدات وثنية قديمة، وخاصةً بين الشعوب السلتية، الأوروبية القديمة، إلى أن بعض الأشجار المقدسة، كالبلوط والبندق، كانت تُعتبر أماكن تسكنها أرواح مقدسة. ربما كان الطرق على جذعها وسيلةً لإيقاظ تلك الأرواح وطلب الحماية منها. لكن لا دليل يربط تلك الممارسات القديمة بالخرافة الحديثة.

كما يربطها البعض بالمعتقد المسيحي. لأن صليب يسوع كان مصنوعاً من الخشب. إلا أن علماء الفولكلور يُشيرون إلى هذه التفسيرات مبنية على تكهنات، حيث لم يرد لها ذكر في أي كتابات أو عظات العصور الوسطى، وبالتالي من المرجح أن التفسير يكمن في أن أول ذكر مُسجل لعبارة «طرق أو مسك الخشب» ظهر العام 1805، حيث ارتبط تاريخياً باللغة الإنكليزية، منذ القرن الـ19، لعلاقته بلعبة أطفال بريطانية تسمى «تيغي تاشوود»، حيث كان لمس الخشب يمنح الماسك «الأمان» من الخروج من اللعبة، وهي عبارة عن مطاردة الأطفال بعضهم لبعض. ومن بريطانيا، انتشرت لمستعمراتها، ولغيرها، ولهذا السبب أصبح العرف شائعاً الآن في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة، ومرادفات قريبة منها في لغات وثقافات عديدة، ويتفق قاموس أكسفورد للفولكلور الإنكليزي مع هذا الرأي. كما لم يعثر محررو القاموس على أي أثر لهذه العادة قبل القرن الـ19، رافضين نظريات روح الشجرة والصليب المسيحي باعتبارها اختراعات رومانسية.

مع الوقت انتشرت هذه الخرافة أو مقولة أو عادة «المس الخشب» أو «أطرق الخشب» في جميع أنحاء العالم، تقريباً. ففي تركيا، يطرق الناس الخشب مرتين أو يسحبون شحمة أذن واحدة، بغية درء سوء الحظ. أما في إيطاليا، فالمرادف هو «المس الحديد». حتى من يدّعون عدم إيمانهم بالخرافات، غالباً ما يجدون أيديهم تمتد إلى أقرب طاولة أو إطار باب أو مكتب بعد الإدلاء بتعليق متفائل، أو سماعه من قريب.

قد لا يكشف استمرار هذه العادة الكثير عن الدين القديم، بل عن علم النفس البشري. سواء كنا نتخيل أرواحاً في الأشجار أم لا، فإن القيام بشيء، مهما كان صغيراً، أو غير ذي أهمية، لحماية أنفسنا أو أحبتنا من سوء الحظ، يدخل السعادة على القلوب، فالطرق أو لمس الخشب، أو الإمساك به، يُعطي وهماً طريفاً أو ضئيلاً بالسيطرة، في عالم مليء بالمخاطر.. والحظوظ.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد