: آخر تحديث

صندوق التنمية السياحي.. فلسفة إنجاز وهوية مستقبل

1
1
1

تغريد إبراهيم الطاسان

حين تتأمل في ملامح التحول الاقتصادي الذي تعيشه المملكة، تجد أن السياحة لم تعد خياراً جانبياً أو مكملاً للهوية الاقتصادية، بل أصبحت أحد أعمدتها الرئيسة، ومحركاً يُعاد عبره تعريف العلاقة بين الإنسان والمكان.

وفي قلب هذا التحول، يبرز صندوق التنمية السياحي بوصفه أداة تجاوزت مفهوم التمويل التقليدي، لتغدو أشبه بجسر يربط بين الرؤية والطموح، وبين الحلم والواقع، وبين الاستثمار والتنمية المستدامة.

إنه ليس مجرد صندوق يمنح قروضاً أو يقدّم تسهيلات مالية، إنما هو عقل اقتصادي مبدع يقرأ المستقبل ويرسم خرائطه، فيسعى ليحوّل كل وجهة سياحية إلى قصة تنبض بالحياة، وكل مشروع إلى حجر أساس في صرح وطني متجدد.

فوظيفته الحقيقية تكمن في تحفيز بيئة كاملة، وإشعال جذوة الثقة في نفوس المستثمرين وروّاد الأعمال، ليغدو القطاع السياحي مسرحاً للابتكار وفرص العمل، وفضاءً يعبّر عن ثراء الأرض السعودية وتنوّعها.

لقد قدّم الصندوق منذ انطلاقه ما يؤكد أنه ليس مجرد كيان إداري، بل مشروع وطني يحمل في جوهره فلسفة التحوّل. فمن خلال شراكاته واستثماراته، دعم آلاف المشاريع، ومكّن قطاعات جديدة، وفتح أبواباً لم تكن مطروقة من قبل.

فمنذ تأسيسه، حقّق الصندوق على المستوى الكمي والمهاري عدة إنجازات لافتة، حيث تم دعم أكثر من 2,400 مشروع سياحي مباشر وغير مباشر، بما يُمثل استثمارات تفوق 35 مليار ريال.

ومهما اختلفت الأرقام، يبقى الأثر الأعمق في إشاعة الثقة، وفي صناعة يقين لدى الداخل والخارج بأن السياحة السعودية لم تعد فكرة ناشئة، بل واقعاً يتسع وينضج.

في كل مبادرة يطلقها الصندوق تتجلى فلسفة متصلة بالهوية الوطنية. فهو لا يبحث فقط عن عائد مالي، بل عن قيمة مضافة تترك بصمة على الأرض والإنسان. المشاريع التي يساندها ليست مباني أو فنادق فحسب، بل محطات تحكي عن الثقافة، وتستدعي التاريخ، وتفتح نافذة على المستقبل.

ومن خلالها يُعاد تعريف الجغرافيا، بحيث لا تبقى المدن الكبرى وحدها مركزاً للجذب، بل تتحول المناطق الأقل استغلالاً إلى وجهات متألقة، تحمل قصصها الخاصة وتضيف للتجربة السياحية تنوعاً وثراءً.

وإذا كان التمويل أداة، فإن الرؤية هي الغاية. فالصندوق يسعى إلى أن تكون السياحة مساهماً حقيقياً في الناتج المحلي، وصانعة لفرص العمل، ومولّدة لحركة اقتصادية تفيض من قطاعات الضيافة إلى النقل والتقنية والثقافة والفنون.

إنها شبكة متكاملة تُبنى عبرها منظومة اقتصادية جديدة، حيث يكون الزائر مستثمراً غير مباشر، والمستثمر شريكاً في صناعة هوية وطنية عالمية.

ولا تقف طموحات الصندوق عند حدود ما أُنجز، بل تمتد نحو أفق أبعد؛ أفق تتحول فيه المملكة إلى واحدة من أبرز الوجهات السياحية على مستوى العالم.

أفق تُستثمر فيه الثروات الطبيعية والبشرية معاً، حيث تتعانق السواحل مع الصحارى، والجبال مع الواحات، والتاريخ مع الحداثة. في هذا الأفق، يتبدّى الصندوق بوصفه مُمكّناً للابتكار، وداعماً للتجارب الجديدة، ومؤمناً بأن السياحة ليست سلعة للبيع، بل قيمة ثقافية واقتصادية تُثري حياة الإنسان.

إن فلسفة الإنجاز التي يكرّسها الصندوق تقوم على فكرة أن التنمية ليست أرقاماً جامدة، بل حراك إنساني يترك أثراً في تفاصيل الحياة.

وهويته تتمثل في الجمع بين الأصالة والمعاصرة، بين عمق الإرث وحداثة الفكر، بين الطموح المحلي والجاذبية العالمية. وهو بذلك لا يدعم المشاريع وحسب، بل يعيد تشكيل نظرتنا للسياحة، باعتبارها وسيلة للتعريف بالوطن، ونافذة لتواصل الإنسان مع ثقافات العالم، ومجالاً لتوظيف طاقات الشباب وإبداعهم.

في النهاية، ما يطمح إليه الصندوق ليس فقط تحقيق معدلات نمو اقتصادي أو استقطاب استثمارات أجنبية، بل بناء سردية جديدة لاقتصاد وطني أكثر تنوعاً واستدامة.

سردية تجعل من السياحة قصة نجاح تُروى للأجيال، وتغدو جزءاً أصيلاً من هوية السعودية الحديثة، حيث تكون التنمية السياحية مرآة لرؤية كبرى، وميداناً تتحقق فيه معاني الشراكة والابتكار والانفتاح على العالم.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد