: آخر تحديث

«لجنة الشباب المسلم» بين الطناحي وعطية

4
4
4

كنت في المقالاتِ الثلاثة الماضية قد توقَّفتُ عند أول مَن أورد معلوماتٍ عن «لجنة الشباب المسلم»، وهو البحَّاثة والمحقّق محمود الطناحي، وذلك في كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي، ومحاضرة عن التصحيف والتحريف» الصادر عام 1984، والآن سأذكر اسم الثاني.

اسم الثاني هو جمال الدين عطية، وهو عضو من أعضاء «لجنة الشباب المسلم». وقد أورد المعلومات عنها في تعقيب استدراكي، نُشر في مجلة «المسلم المعاصر» بتاريخ 1 فبراير (شباط) 1998. تحت عنوان «صفحات من تاريخ الخطاب الإسلامي المعاصر - هوامش وإضافات على معالم الخطاب الإسلامي الجديد، للدكتور عبد الوهاب المسيري»، العدد 87.

ورقة المسيري، كما يسميها جمال الدين عطية في تعقيبه الاستدراكي، نُشرت في مجلة «المسلم المعاصر» بتاريخ 10 نوفمبر (تشرين الثاني) 1997 تحت عنوان «معالم الخطاب الإسلامي الجديد»، العدد 86.

ولا أعلم إن كانت الورقة والتعقيب سبق أن ألقيا في حلقة نقاش عقدها المعهد العالي للفكر الإسلامي أم أنهما كتبا خصيصاً لمجلة «المسلم المعاصر».

المعلومات التي أوردها جمال الدين عطية عن «لجنة الشباب المسلم»، وضعها في ثنايا اختلافه مع تقسيم المسيري الخطاب الإسلامي إلى خطاب قديم بدأ ظهوره مع الاستعمار وظل - كما قال - خطاباً مهيمناً حتى منتصف الستينات، وخطاب جديد بدأت معالمه - كما قال - تتحدد تدريجياً في منتصف الستينات!

نقطة الاختلاف بين أصحاب الخطاب القديم وأصحاب الخطاب الجديد - كما حددها المسيري - هي في الموقف من الحداثة الغربية.

فـ«قد وجد المصلحون الأوائل جوانب إيجابية كثيرة في هذه الحضارة الغربية، بل أكاد أقول: إنهم انبهروا بها» بينما «حملة الخطاب الجديد أدركوا من البداية الجوانب المظلمة للحضارة الغربية الحديثة التي أدخلت العالم في حربين عالميتين».

ومع تبلور الخطاب النقدي الغربي في منتصف الستينات - هذه الجملة له مع تصرف يسير بها - «لم يكن من الصعب على حملة الخطاب الإسلامي الجديد من دارسي الحضارة الغربية في منتصف القرن العشرين أن يعرفوا مثالبها، كما لم يعد بوسعهم أن يمارسوا ذلك الإعجاب الساذج بها الذي مارسه كثير من أعضاء الجيل الأول».

اختلاف عطية معه في هذا التقسيم الزمني للخطاب الإسلامي كان اختلافاً تفصيلياً وليس جوهرياً.

يقول عطية: «وإذا سايرنا الكاتب في هذه النقطة فإننا نجد أن سنة 1928 وليس 1965، هي النقطة الفاصلة في الموقف من الحداثة الغربية، ففي هذه السنة بدأ حسن البنا دعوته التي ترفض الغرب وتندد بمن دعا إلى أخذ الحضارة الغربية بحلوها ومرها وخيرها وشرها... وإذا كانت هذه الأفكار قد سبقه إلى بعضها الأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا؛ فإنه هو الذي بلورها ونقلها من مجال الفكر إلى مجال الحركة، ولا يمكن – إذن – تجاوز سنة 1928 إلى سنة 1965، التي لا تمثل أي نقلة نوعية في هذا الصدد».

في حديث جمال الدين عطية عن «لجنة الشباب المسلم» أهم المعلومات التي وردت في حديثه أن الفكرة، والعمل على إنفاذها بدأ بتسعة من شبان الإخوان المسلمين عام 1947، وكانوا لا يزالون في مرحلة دراستهم الجامعية، وعرف عملهم داخل الإخوان المسلمين باسم «المشروع». وأن أصحاب «المشروع» التسعة اختاروا سبعين من صفوة شباب الإخوان المسلمين للعمل معهم. وأن عملهم توقف عام 1948، مع حل جماعة الإخوان المسلمين وتعرض أعضائها للاعتقال. وقوله: «وقد بدأ بعضهم مشروعاً للنشر والتوزيع باسم «مكتبة لجنة الشباب المسلم» وهو الاسم الذي شاع إطلاقه على المجموعة بأكملها بعد ذلك. وكان من أهم ما قامت الدار بنشره رسائل أبي الأعلى المودودي، وكتاب (العواصم من القواصم تحقيق وتعليق محب الدين الخطيب)».

ومن المناسب أن أذكر الآن أن كل ما ذكرته من معلومات عن «لجنة الشباب المسلم» كنت قد اعتمدت فيه على هذا المصدر، وعلى ما كتبه عنها محمود الطناحي.

أخبرنا جمال الدين عطية في خاتمة تعقيبه الاستدراكي أن ما ورد في تعقيبه، ومنه حديثه عن «لجنة الشباب المسلم»، لم يعتمد فيه على مصادر مكتوبة «وإنما على الذاكرة الكلية التي قد تَنِدُّ عنها بعض التفصيلات بعد مضي عشرات السنين»؛ وإن بقيت حافظة للخطوط العريضة، وهي - بالتالي - قابلة لإضافة مزيد من الضبط والتحديد فضلاً عن التصويب.

بالنسبة لـ«لجنة الشباب المسلم»، الحقيقة أنه لا توجد مصادر مكتوبة تحدثت عنها سوى ما كتبه عنها محمود الطناحي في عام 1984. وهو ليس بحاجة إلى الرجوع لهذا المصدر، فهو شاهد من شهود هذه التجربة، وقبلها كان من شهود تجربة «المشروع»، وعلى ما يظهر أنه كان من شبانها التسعة الأوائل.

ومع أنه ليس بحاجة إلى الرجوع إلى ما كتبه الطناحي عن «لجنة الشباب المسلم» فإن الرجوع إليه كان مفيداً «لمزيد من الضبط والتدقيق» لما كتبه هو عنها، ولما كتبه الطناحي عنها. ولأن القارئ لكتابته عنها سيستفيد مما كتبه الطناحي عنها. فكتابته عن «لجنة الشباب المسلم» أكملت كتابة الطناحي عنها بإرجاع هذه التجربة إلى بداياتها الأولى في عام 1947.

كتابة الطناحي تفضَّل على كتابته عنها بأنها كانت أكثر تفصيلاً، فهو لم يذكر أسماء أعضائها.

ربما أنه لم يكن يعلم بما كتبه الطناحي عن «لجنة الشباب المسلم» في كتابه «مدخل إلى تاريخ نشر التراث العربي...». فهذا الكتاب - لا عنواناً ولا موضوعاً - يتوقع القارئ أن يتضمن تقديم نبذة عن «لجنة الشباب المسلم». فهذه اللجنة لم تعرف من خلال منشوراتها بنشر كتب التراث العربي، وإنما هي معروفة لدى بعض الباحثين بنشرها بعض كتيبات المودودي. والنبذة التي قدمها الطناحي عنها كانت بمثابة تقديم لكتابته عن «مكتبة دار العروبة» - المعنية بنشر كتب من التراث العربي - التي كان يملكها أستاذه محمود محمد شاكر، واثنان من أعضاء «لجنة الشباب المسلم»، وهما: محمد رشاد سالم، وإسماعيل عبيد، وأستاذه كانت له صلة نشر باللجنة، وذلك حين نشرت له رسالة قصيرة لأحمد بن حنبل عن الصلاة، قام بتصحيحها ومراجعتها، وله صلة أستذة بأعضائها.

لاحظت أن جمال الدين عطية الذي أرجع تجربة «لجنة الشباب المسلم» إلى بداياتها الأولى عام 1947، قفز على تجربة «مكتبة دار العروبة»، والتي امتدت من عام 1957 إلى عام 1965، وذهب مباشرة إلى عام 1974، عام إنشاء مجلة «المسلم المعاصر» بينما عدّها الطناحي استئنافاً لتجربة «لجنة الشباب المسلم» التي انتهت عام 1954. ما ذهب الطناحي إليه صحيح، فهي استئناف جديد لها، وسأوضح في مقال مقبل الآصرة المودودية التي تجمعها بها وتجمعها بـ«دار الفكر» الدمشقية المعنية بنشر كتب المودودي وكتيباته.

جمال الدين عطية لم يحدد تاريخاً لنشأة «لجنة الشباب المسلم»، وقد حدده الطناحي بأنه كان في عام 1951. وأظن أن هذا العام كان بداية منشوراتها، وفي طليعتها أو أهمها كانت رسائل المودودي المعرّبة من الأردية.

إني متيقن أن النبذة التي قدمها الطناحي عن «لجنة الشباب المسلم» زوده بها محمد رشاد سالم. فالنبذة تضمنت معلومة داخلية حساسة، وهي قول الطناحي: «وكان تمويل اللجنة الأساسي على عاتق محمد رشاد سالم وحده». لهذا لم يشأ محمد رشاد سالم أن يذكر الطناحي بأن مصدره في النبذة محمد رشاد سالم. وللحديث بقية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد