: آخر تحديث

بين إرهاب إسرائيل وإرهاب غيرها!

4
4
4

خالد بن حمد المالك

بينما تتوالى التنديدات بجرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية المعتدية على المواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة، وفي وقت تتصاعد فيه إدانات الدول الأوروبية لإسرائيل، وتهديدها بإصدار عقوبات ضدها، والاعتراف بالدولة الفلسطينية، يأتي الهجوم على المتحف اليهودي في واشنطن ومقتل اثنين من موظفي السفارة الإسرائيلية، ليحشد الحادث التعاطف الدولي لإسرائيل، ويبدأ في تفهم أكاذيبها في أن ما حدث إنما هو عمل إرهابي فظيع معاد للسامية، وأنه تم بتحريض هستيري ضد إسرائيل كما يدّعي رئيس وزراء إسرائيل نتنياهو.

* *

مثل هذا العمل لا يخدم القضية الفلسطينية، ويساعد على قبول ما يقوله الإسرائيليون بأن ما حدث معاد للسامية، وأنه تم استجابة لعولمة الانتفاضة الفلسطينية، وتشويه سمعة إسرائيل، وباتهامات ملفقة ضدها كما يزعم رئيس وزرائها، وكأن العالم لا يشاهد المجازر التي يقوم بها جيش الاحتلال ضد الأطفال والنساء والمدنيين في قطاع غزة في أعمال وحشية، وسلوك لا إنساني، بما لا يمكن تبريره، أو وجود سبب له.

* *

ومع أن المتهم بقتل اثنين من عناصر السفارة الإسرائيلية خارج المتحف اليهودي ليس فلسطينياً ولا عربياً، وإنما هو أمريكي من أصول لاتينية، فإن الياس رود ريغيز لم يتردد بعد إلقاء القبض عليه بالتصريح بأنه فعل ما فعله من أجل غزة، مطالباً بتحرير فلسطين، ومردداً أن فلسطين حرة، والحرية لفلسطين، مع أنه تبيَّن أنه بلا سوابق، وغير معروف، ما يجعل النظر إلى ما حدث بأنه رد فعل من المتهم أمام ما يصدمه يومياً من المشاهد الدموية المروّعة التي تقوم بها إسرائيل ضد مواطني قطاع غزة.

* *

أريد أن أقول، دون أي تبرير أو تفهم لما حدث، بأنه عمل غير مقبول، أياً كانت أسبابه وبواعثه، وأن مثل هذا العمل وإن جعل إسرائيل في الداخل والخارج في حالة رعب مستمر، لا يمكن فصله عن عدوانها على الشعب الفلسطيني، ولا عن احتلالها للأراضي الفلسطينية، ولا عدم قبولها بدولة فلسطينية جارة لها، وأن إسرائيل لو جنحت إلى السلام والسلم، ولو أنها تفهمت حق الفلسطينيين بدولة لهم على أراضيهم، وتوقفت عن حروبها ومجازرها، لما كان لمثل هذا العمل وغيره أن يكون، ولا أن يُفسَّر بأنه معاد للسامية، أو اليهود، أو أنه بسبب التحريض ضد دولة إسرائيل، فهذا التبرير الغبي يعني الهروب من الاعتراف بالواقع وأسبابه وإمكانية معالجته إلى مثل هذا الادعاء المضلل.

* *

إن مثل هذا الحادث تكرر في الماضي، وها هو يتكرر الآن، وسوف نراه في المستقبل، ما بقيت إسرائيل تريد الأرض والسلام، وتحرم الفلسطينيين من كل شيء، وتستند بقوتها العسكرية لطردهم وتهجيرهم من أراضيهم، وحرمانهم من حقوقهم، وتجد من يتعاطف معها، ويتفهم أكاذيبها، ويتجاهل الحقوق المشروعة للفلسطينيين، ولا يرون من حل إلا بتهجيرهم قسراً إلى ديار بعيدة، وكأنهم أقلية في هذه الأرض، بينما عددهم يصل إلى نصف سكان فلسطين الكبرى، وربما أكثر.

* *

إن توظيف إسرائيل لمثل هذا الحادث بالادعاء على أنه بسبب معاداة وكراهية السامية، استناداً على اتهامات ملفقة ضد ما هو موثق عن وحشية إسرائيل، مع إنكارها لجرائم الحرب، والإبادة الجماعية، لا يمكن أن يستقيم ذلك أمام المشاهد الدموية التي تدين إسرائيل، أو إغفال ذلك، بعد أن بلغ العدوان هذا المستوى العالي من الجرائم بحق الفلسطينيين، وليس هناك من حل لكي لا تكتوي إسرائيل بمثل ما حدث في واشنطن وفي غيرها من حين لآخر، إلا بالاستسلام للواقع، والقبول بدولة فلسطينية على أراضي عام 1967م وعاصمتها القدس.

* *

وإن تعرض السفارات الإسرائيلية في العالم للتهديد، وعدم وجود أمان يضمن حمايتها، هو جزء من حرب ضروس مضى عليها قرابة ثمانين عاماً دون أن تتوقف، وسوف تظل هكذا مشتعلة، ما بقيت أسبابها، وهذه مسؤولية أمريكا وبقية دول العالم بثني إسرائيل عن التمسك بالسلام والأرض، وإفهامها أن السلام مقابل الأرض، وأن السلام مقابل الدولة الفلسطينية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد