: آخر تحديث

العشاء الذي كاد أن يكون الأخير

1
1
1

رسم الفنان دافنشي لوحته الشهيرة «العشاء الأخير»، أو عشاء عيد الفصح اليهودي التقليدي، لتخليد ذكرى عشاء المسيح الأخير مع تلامذته، قبل أن يتم اعتقاله وصلبه.

* * *

دعاني النائب السابق، والنبيل، أحمد الفضل، لحفل عشاء في بيته، مع أصدقاء آخرين. لصعوبة الاستدلال على البيت، حتى مع غوغل، تطوعت بأن أكون الدليل، أو «مرّي» المجموعة. مقابل ذلك، تطوّع أحدهم بالمرور علي، واصطحابي، من بيتي، ننتظر البقية في ساحة المنطقة. كان ذلك يوم 14 ابريل الماضي، وكان الطقس سيئاً، وكمية الغبار عالية، فاقترح صديقي بأن أرتدي القناع، فقلت له: بعد ثمانين سنة على هذه الأرض، صرنا «نصف صحراويين»، فالغبار كان دائماً جزءاً من حياتنا. لكن يبدو أنني كنت على خطأ كبير، فغبار اليوم ليس كغبار الأمس!

دخلت في اليوم التالي في نوبة سعال، لم أعرف لها مثيلاً، وقمت خلال ثلاثة أسابيع بمراجعة قرابة عشرة أطباء أنف وأذن وحنجرة وصدر وقلب ومعدة، وحتى طبيب عام. احتار الجميع في تشخيص حالتي، فمنهم من قال إنها ناتجة عن التهابات في الجيوب الأنفية، ورأى آخرون أن السبب يعود إلى «ارتجاعات صامتة» من المعدة تثير الكحة الشديدة. وقال فريق ثالث إن السبب يعود إلى نوع من الحساسية أو الأزما، أو ضيق في شعب الصدر الهوائية.

فحوصات الدم، التي تكررت مرتين، وأشعة «السي تي سكان» STScan، التي تكررت أيضاً مرتين، بخلاف الأشعة العادية، وفوقها فحوصات الأطباء الجسدية والمناظير، ونتائج الدم من مختبرين، وفحص أشعة الرقبة، وفحص القلب نووياً، كلها لم تبيّن ما يمكن أن يبرر أو يشرح مصدر الكحة القوية.

تناولت خلال هذه الفترة، كميات كبيرة من الأدوية، من مسكنات، إلى مضادات حيوية، إلى مقاومة للحساسية، وبخاخات للصدر، وأقراص منع الارتجاع، وغيرها، لكن الكحة استمرت، ثم حدث تطوّر خطير لم يكن متوقعاً، حار الأطباء في تفسيره، وذلك عندما بدأت أفقد وعيي، لثوان، بعد كل كحة قوية جداً، لكن كافية لتشكل نهايتي. وتكرر وقوعي على الأرض، ومن على السرير، وأصبت بجروح، وأصبح الأمر ينذر بخطر فعلي، فقررت السفر للخارج بحثاً عن العلاج.

سمع الصديق د.غسان زين، استشاري أمراض العيون، بحالتي، فبحث في غوغل، وأخبرني بأني مصاب بعارض يسمى Cough Syncope، أو كحة فقدان الوعي، وأن هذا المرض تم اكتشافه لأول مرة عام 1876، ويرتبط غالباً بحالات تنفسية أو قلبية وعائية أو عصبية كامنة، فالسعال يزيد من الضغط داخل الصدر، مما يقلل من تدفق الدم إلى الدماغ، فيتسبب ذلك في حدوث إغماءة لا تتجاوز ثانيتين أو ثلاث ثوان، كافية لأن يفقد المصاب وعيه ويصاب بجروح خطيرة، أو يفقد حياته، كما أنه يصيب الذكور أكثر من الإناث، وعلاجه يتطلب استخدام موسعات للشعب الهوائية، ومضادات السعال، والإقلاع عن التدخين، ومعالجة ارتجاع المريء، وغير ذلك من تعديلات في نمط الحياة، مثل تخسيس الوزن، وتجنب المحفزات كالكحول والهواء البارد، والأجواء الملوثة.

ملاحظة واحدة غيّرت الوضع، وربما وضعتني على طريق العلاج الصحيح، فالخطر لا يزال ماثلاً، فقد تبيّن أن الكحة تبلغ أقصى قوتها بعد تناول الطعام مباشرة، وحتى يعني بصورة مؤكدة أن لديّ مرض الارتجاع المريئي، الذي يتطلب وقاية أكثر من العلاج، ولا نزال نحاول.

عزيمة الفضل كادت أن تكون {الأخيرة} في حياتي، ولا ذنب له في ما وقع لي، خاصة أن كرمه وجميل لقياه كانا، كالعادة، فوق العادة.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد